اذهب الي المحتوي
شرح حل مؤقت للتحميل من دومين مازاكوني نت للروابط لحين تحويل روابط المتدي ×
  • Chatbox

    You don't have permission to chat.
    Load More

بعدالعودة الشيخ عائض بن عبدالله القرني وعشر رسائل


Recommended Posts

alQarni.jpg

 

بعد ان عاد بدأ الشيخ عائض القرني في محاضرته أكثر قوة وجزالة في التعبير، ومال إلى الاستشهاد بالآيات والأحاديث وأكثر من الشعر خاصة المتنبي الذي يحفظ ديوانه، كما استدل بمقولات كتاب غربيين.

ففي رسالته لولاة الأمر جدد الشيخ عائض بيعته لولي الأمر الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأكد على أن نهج المملكة ملتزم بشرع الله، وقال "إن مجدنا وعزنا ودستورنا الإسلام وهذه حقيقة واضحة، وقد نضعف اقتصاديا أو سياسيا ولكن قوتنا في الالتزام بشرعنا".

أما الرسالة الثانية فكانت للعلماء والدعاة حيث طالبهم فيها بتوسيع الآفاق، والنظر للأمور بمنظار أوسع، والانفتاح على الآخر، وأن نسمع العالم حجتنا بلطف، وأن لا نغرق في الجزئيات على حساب الكليات.

وأضاف "لقد قصرنا في دعوة غيرنا للإسلام، الأمر الذي جعل نفرا منا يقدمون صورة الإسلام المشوه للعالم، عن طريق البندقية والمدفع والمتفجرات، وتصدر السفهاء الركب، وطالب الشيخ القرني بمواكبة التغيرات في الاجتهاد واستدل بحادث الجمرات، وقضية الرجم قبل الزوال والأنفس التي زهقت، والدماء التي سالت رغم وجود علماء قدامى ومعاصرين أفتوا بالرمي قبل الزوال.

الرسالة الثالثة كانت إلى رجال الأعلام وحملة الأقلام حيث دعاهم إلى الإنصاف والموضوعية، والدفاع عن الإسلام، وأكد على الالتزام بالشرع وعدم التحلل من الدين، وأدان تطاول بعض الإعلاميين على الدين وغسيل مخ الناس بالتافه والسطحي،

والرسالة الرابعة كانت موجهة لأهل الغلو والتطرف والإرهاب حيث دعاهم إلى التوبة والعودة إلى صحيح الدين. وكشف عن مشاركته في الحوارات مع هؤلاء في السجون وأن حججهم واهية، وقد عادوا إلى الدين.

والرسالة الخامسة وجهها الشيخ القرني إلى من يقدح في ثوابت الأمة ويجلدون الذات وينبهرون بالحضارة الغربية والتنكر لدينهم وعقيدتهم، ودعاهم إلى الالتزام بنهج الأمة الوسط.

والرسالة السادسة للمرأة، حيث دعا إلى إنصافها وتعليمها وإعطائها حقوقها المشروعة، وأدان الحجر عليها أو ضربها أو اغتصاب حقوقها، وقال لابد أن نصحح أخطاءنا تجاه المرأة.

والسابعة كانت عن الحوار مع الذات ومع الآخر، ولابد أن يشمل الحوار جميع فئات المجتمع ويكون في الأسرة والمدرسة والعمل، وبالتفاهم، والحجة وقبول الحق. أما الرسالة الثامنة فكانت للشباب حيث دعاهم إلى الوسطية دون إفراط أو تفريط والتزام جماعة المسلمين. والتاسعة كانت للآباء بتربية أبنائهم ورعايتهم. أما الرسالة العاشرة فكانت للعالم الآخر حيث دعا إلى ضرورة تقديم الإسلام للعالم كمشروع حضاري نهضوي.

وأدان الشيخ القرني الرسوم التي استهزأت بالرسول، وطالب بحملة واسعة ضد الصحف التي نشرت هذا الاستهزاءات. وفيما يلي نص الرسائل بالتفصيل ::::

 

 

الرسالةُ الأولى

 

لولاةِ الأمرِ

 

لمن ولاهُ اللهُ أمرنَا، فصارَ أكثرَنا حِمْلاً، وأعظمَنا أمانةً، وهو الذي بايعناهُ على كتابِ الله وسنةَ رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد صرحَ خادمُ الحرمينِ الشريفينِ الملكِ عبدُاللهِ ابنُ عبدِالعزيزِ بذلك يومَ أقسمَ لشعبِه أن يجعلَ الإسلامَ منهجَهُ، والقرآنَ دستورَهُ، ويوم شرحَ صدورَنا بقولتِه المشهورةِ: "نكونُ بالإسلامِ أو لا نكون" فنشدَّ على بيعتِه وولي عهدِه، وقد كانت الوحدة التي قام بها الملك عبدالعزيز –رحمه الله- على المعتقدِ الصحيح، والشريعةِ الغراء، فلم يوحِّدْ بيننا على أساسٍ عرقيٍّ، أو طائفيٍّ أو حزبي أو جهوي، بل رفعَ رايةً خضراءَ ترفرفُ بلا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله، فتخفقَ لها القلوبُ، وتشرأبَ لها الأعناقُ، فلا بدَّ أن تكونَ هذه الحقيقةُ ماثلةً للعيانِ عندَ كلِّ فردٍ من أفرادِ هذا الكيانِ الموحَّد، فمجدُنا وعزُّنا وسرُّ وحدتِنا وأسُ اجتماعِنا هو الإسلام، نعم قد ينضبُ عندنا النفطُ، لكن صحةَ إيمانِنا، واستقامةَ توجُّهِنا، وصدقَ رسالتِنا لا ينضب، وقد يهتزُ اقتصادنُا لكن قناعتَنا بدينِنا لا تهتز، وقد نعيشُ في الأكواخ أو نسكنُ الخيامَ، أو نستقلُ الأبراجَ ونعمرُ القصورَ فتتبدلُ بنا الأحوالُ والأطوارُ لكن رسالتَنا معنا في كلِّ حالٍ تصاحبُنا أبداً، وقد التقينَا في الحوارِ الوطنيِ من كلِّ إقليمٍ وطائفةٍ وطيفٍ ومذهبٍ ومشربٍ فأجمعْنا على أن الإسلامَ هو رسالتُنا للعالمِ ولله الحمد، فأولُ إعلانٍ لقيامِ دولتِنا أنها دولةٌ إسلاميةٌ فلا يُزايدُ علينا أحدٌ في نصرةِ الملةِ وحملِ، ميثاقِ الرسالةِ والتمسكِ بالشريعة، لقد بدأتْ قصةُ التوحيدِ والوحدةِ باللقاءِ المباركِ بين الإمامِ المجددِ محمدِ بنِ عبدِالوهابِ، والإمامِ مُحمدِ ابنِ سعودٍ –رحمهما الله تعالى-

 

وطنٌ سار على صحرائهِ أحمدُ الهادي وجبريلُ الأمينْ

 

مهبطُ الوحي وقبْرُ المعتدي قبلةُ الدنيا ودارُ الفاتحينْ

 

 

الرسالةُ الثانية

 

للعلماءِ والدعاة

 

أيها العلماءُ والدعاة: إننا بحاجةٍ إلى الربانيةِ والعالميةِ، فالربانيةُ تدعُوْنا إلى الإخلاصِ والصدقِ مع اللهِ والعملِ بالعلم؛ لنكونَ رسلَ محبةٍ وسلامٍ ورفقٍ ورحمةٍ وهداية، والعالميةُ تقتضي منا فَتحَ أسماعِنا وأبصارِنا وعقولِنا على كلِّ العالمِ أجمع، وتوسيعَ آفاقِنا لنُسمعَ غيرَنا ونسمعَ منه، ونعلم أننا لسنا وحدَنا في هذا الكونِ بل معنا أممٌ وحضاراتٌ ومشاربُ ومذاهبُ، فلابدَّ من إعطاءِ حقوقٍ وإدراكِ مكاسبَ، وقيامٍ بواجب، ففي دينُنا الانفتاحُ على الآخر )قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم( )وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله(، لابدُّ أن نُسْمِعَ العالمَ حجتَنا بلطف، ونعرضَ عليهم البرهانَ والإقناع، ولابدَّ أن نعطيَ العالمَ فرصةً ليُسْمعُونا ما عندَّهم، وماذا يريدون منا؟ لقد جلسَ صلى الله عليه وسلم مع أهلِ الكتابِ وحاورَهم وكاتبَ ملوكَ الأرضِ وبعث برسائلهِ إلى حكامِ المعمورةِ يدعوُهم بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، أيها العلماءُ والدعاة: لا يجوز أن نصرفَ أعمارَنا في جزيئاتٍ على حسابِ كليات، ولا فروعَ على حسابِ أصول، ولا يحقُ لنا أن يتشاغلَ بعضُنا ببعضٍ وكأنَّ الدنيا خُلقتْ لنا فحسب، لقد أكثرنَا من الردِّ على أنفسنِا والاشتغالِ بذواتِنا فهلْ آن لنا أن نقدمَ إسلامَنا بريئاً من خلافاتِنا، سليماً من أمراضِنا، معافىً من أزماتِنا ومشكلاتِنا ؟ لقد قَصَّرنَا في دعوةِ غيرِنَا إلى دينِنَا الصَّحيح، دينُ العدلِ والحقِ والسلامِ، فقامَ نفرٌ منا يقدمون للعالم إسلاماً معاقاً مشوَّهاً عن طريقِ فوهةِ، البُندقيةِ، وأزيزِ الرصاصِ في عملٍ غيرِ مشروعٍ ومشروعٍ غيرِ ناجح، فوضعَ الإسلامَ كلَّه في قفصِ الاتهامِ بسبب أعمالٍ رعناءَ وتصرفاتٍ حمقاءَ في غيابِ العلماءِ وتصدرِ السفهاء:

 

وإن تصدرَ الوضعاءُ يـوماً على الرفعاءِ من أدهى الرزايا

 

إذا استوتْ الأسافلُ والأعالي فقــدْ طابت منادمةُ المنايـا

 

أدعُ العلماءَ والدعاةَ إلى فتحِ بابِ الاجتهادِ في مسائلِ الخلافِ في الفروعِ مع المحافظةِ على الثوابت، وأن نواكبَ المتغيرات، لقد أقمنَا أمامَ جزئيةٍ وفرعٍ من فروعِ الشريعةِ حائرين، وهي مسألةُ رمي الجمارِ قبلَ الزوالِ، ونحن نرى الأنفسَ تزهقُ، والدماءُ تسيلُ بسبب الزحامِ، ومع ذلك لما نخرجْ بفتوى واضحةٍ وصريحةٍ مع العلم أن كثيراً من الأئمة والعلماء السابقين والمعاصرين أفتوا بالجواز، ولهم حججٌ وأدلة صحيحة صريحة، ولكن قصدي إذا لم نبادرْ بالإجابةِ على متطلباتِ العصرِ، ونوازنُ المصالحَ والمفاسدَ وننظرَ إلى مقاصدِ الدينِ فسوف ينوبُ عنا غيرُنا.

 

 

الرسالةُ الثالثة

 

للإعلام

 

لرجالِ الإعلامِ وحملةِ الأقلامِ الأمناءِ على الكلمةِ، والأوصياءِ على الحرفِ، إن العالمَ الآن يُخاطبُ بالشاشةِ العابرةِ للقارات؛ لتكون أقوى من الصواريخِ وأكثرَ أثراً من الدبابات، يقولُ أحدُ أساطينِ السلطةِ الرابعة: أصبحَ العالمُ الآن يحتلُ بالشاشةِ والصحيفةِ لا بالقنبلةِ والقذيفة، ونقلَ الطنطاوي عن أستالين أنه قال: أعطوني شاشةً أُغير بها وجه العالم!! إنَّ من يخطُّ سطراً في صحيفة، أو جملةً في مجلة، أو يقولُ كلمةً في إذاعة، أو يطلقُ عبارةً في شاشةٍ إنما يسهم في الإصلاحِ، أو يشاركُ في الإفساد )ستُكتب شهادتهم ويسألون( إننا بحاجةٍ إلى صحوةِ ضميرٍ أمامَ رسالةِ الإعلام، وهل خُرقت السفينةُ إلا بتعبئةٍ فكريةٍ سواءٌ في الإفراطِ والتفريط، فالتحللُ من الدين، والتنصلُ من القيمِ، والكفرُ باللهِ، ومحاربةُ شرعه، نتاجٌ أوليٌّ لإقناعٍ ذهنيٍ وغسلٍ للمخِ عن طريق مؤثراتٍ دعائيةٍ ومنابرَ إعلامية، والتطرفُ والإرهابُ وتهديدُ الأمنِ وسفكُ الدمِ المحرمِ وقتلُ النفسِ المعصومةِ أصلُه ثقافةٌ عوجاءُ مريضةٌ مشوهةٌ خارجةٌ عن الدينِ الصحيحِ، ويبقى للإعلامِ الراشدِ الهادفِ مسؤوليةُ البناءِ والترشيدِ والتربية.

 

والصحيحُ أن رسالتَنا الإعلاميةَ عالميةً ربانيةً تتبنى الوسطيةَ وتنقلُ الرحمةَ والعدلَ والسلامَ إلى العالم، فليس عندَنا وقتٌ لتضييعِ وقتِ الأمةِ بالإغواءِ والإغراءِ والتنكرِ للقيمِ وإهمالِ الفضيلة، ولا يجوز لنا تقديمُ خطابٍ متشددٍ متشنجٍ متطرفٍ بل خطابِ عقلٍ يَسْنُدُه النقلُ ورسالةَ محبةٍ توافقُ الفطرة .

 

 

الرسالةُ الرابعة

 

لأهلِ الغلو

 

أُرسلُها لمن غَلا في الدينِ، وتطرَّفَ في فكرهِ وخرجَ على إجماعِ الأمةِ وروحِ الشريعة، أُطالبُه فيها بالتوبةِ إلى الله، والعودةِ إلى جماعةِ المسلمين، وإلى صحوةِ الضمير، فقد آن لمن ركبَ موجةَ التكفيرِ والتفجيرِ أن يتقيَ ربَّهُ في دماءِ الأمةِ وأموالِها وأعراضِها وأمنِها واستقرارِها، وليعلمَ أن الأمةَ بأسرِها ضدَّهُ وأنّه الوحيد مع نفر قليل هم نشاز ونكره في أمة الإسلام، وهل يظن من هذا فعله أن الله لن يسأله عن الأرواح التي أُزهِقَتْ، والدماءِ التي سُفِكت، والأموالِ التي ذهبت، والأسرِ التي تهدمَتْ بسببِ أفعالِه ومَنْ هو على شاكلتِه، أخبرنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّ الله عذَّبَ امرأةً حسبتْ هرةً في البيتِ حتى ماتتْ الهرةُ، بأن أدخلَ اللهَ المرأةَ نارَ جهنم، فكيفَ بمن قتلَ مسلماً أو مَعاهداً أو بريئاً من الأطفالِ والشيوخِ والنساءِ؟! لقد حاورَنا هؤلاءِ في السجونِ فكانت -والله- حججُهم واهيةٌ، أوهى من بيتِ العنكبوت، ما لبثتْ أن تهاوتْ وسقطتْ أمامَ الحقائقِ والأدلةِ الشرعيةِ، وقد عادَ أكثرُهُم نادماً وتائباً؛ لأنه أدركَ أنه عصى ربَّه، وخالفَ دينَه، وعقَّ أمَّتَه، وأدخلَ الضررَ على مجتمعِه، وأشمتَ بنا الأعداء، إن طريقَ التكفيرِ والغلوِ والإفسادِ في الأرضِ مشروعٌ فاشل، وخطةٌ مشؤومةٌ، وطريقةٌ عابثةٌ لا تبنِي حضارةً، ولا تخدمُ رسالةً، ولا تسعدُ أمةً، ولا تحققُ هدفاً إلا الدمارَ والخوفَ والشقاءَ والهدمَ )وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد( لقد قُلنا لهؤلاءِ لقد ارتكبتُم أخطاءَ عظيمةً، وأغلاطَ جسيمةً من أعظمِها الإضرارُ بالدينِ الصحيحِ وتشويهِه وتنفيرِ الناسِ منه، ثم السعيُ في الأرضِ بالفسادِ من قتلٍ ونهبٍ وسلبٍ وتخويفٍ وتدمير، ثم مخالفةُ جماعةِ المؤمنين وجمهورِ المسلمين وشقاقِ علماءِ الأمةِ وأئمةِ الملة، فهل لمن حملَ هذا الفكرَ أن يتوبَ ويؤوبَ ويعودَ إلى مجتمعِ السلمِ والإسلامِ ليشاركَ في النفعِ؛ ويسهم في الخيرِ، ويكون لبنةً صالحةً في بناءِ الإسلامِ العظيم؟

 

 

الرسالةُ الخامسة

 

لمن يقدحُ في الثوابت

 

لمن يسعى في زعزعةِ ثوابتِ الأمةِ، وهو يحملُ روحَ الانهزامِ، وقدَ أمعنَ في جلدِ الذاتِ متنكراً لما لهذه الأمةِ الخاتمةِ الوسطِ الشاهدةِ من رسالةٍ ربانيةٍ عالميةٍ، وما كانَ لها من مجدٍ عظيمٍ وحضارةٍ إنسانيةٍ شهدَ بسموِّهَا القاصي والداني، فأتى هذا بنفسٍ ضعيفةٍ وضميرٍ خاوٍ وقد انبهرَ بحضارةِ الغربِ مع إفلاسِه من المعرفةِ الحقةِ بالإسلام، أتى ليقولَ لنا: ليس لنا تاريخٌ، وما عندنا رسالةٌ، وما قدمنَا للعالم إلا الإرهابَ والدمار، وهذا –والله- ظلمٌ للحقيقةِ، وجنايةٌ على الأمةِ، بل لو أنصتَ لشهاداتِ غيرِ المسلمين التي أدلَوا بها في حقِ الإسلامِ، وحضارةِ المسلمين وماضيهم المشرق لكفاه ذلك، فيالله! رسالةٌ طبقت الخافقين، ودخلتْ القاراتِ السِّت، وأشرقتْ بنورِها الدنيا، ورحَّبَ بها الكونُ، واحتضنتْها المعمورُة يتنكرُ لها بعضُ أبنائها جُوراً وعقوقاً، يقولُ المؤرخُ الفرنسيُ جوستاف لوبون: ما عرفَ العالمُ فاتحاً أرحمَ ولا أعدلَ من العربِ، لقد كنَّا في مرحلةٍ طويلةٍ مباركةٍ من مراحلِ التاريخِ شموساً، في سماءِ الحضارةِ ومشاعلِ للخير، في ليلِ البشريةِ الحالك، أقمنا دولاً في الشرقِ والغربِ بالسلامِ والعدلِ والإيمانِ والرحمةِ كما قال شوقي:

 

كانوا مُلوكاً سَريرُ الشَرقِ تَحتَهُمُ فَهَل سَأَلتَ سَريرَ الغَربِ ما كانوا

 

عالينَ كَالشَمسِ في أَطرافِ دَولَتِهم في كُلِّ ناحِيَةٍ مُلكٌ وَسُلطانُ

 

لقد كنا فجراً جديداً أطلَّ على العالمِ بنوره بعد ظلامٍ دامسٍ طويلٍ من الشركِ والخرافةِ والجهلِ والتخلفِ كما قال إقبال:

 

والدهرُ مشتاقٌ وأمةُ أحمدَ يتهيأُ التأريخُ لاستقبالها

 

لماذا هذا الانهزامُ والإحباطُ والفشلُ والإخفاقُ، أين العزةُ والفخرُ بالملةِ والتراثِ والتاريخِ المشرقِ والمسيرةِ الخالدةِ؟ والله يقول: )ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين(.

 

أين الروحُ العصاميةُ والنفسُ الوثّابةُ، والهمةُ العاليةُ؟ التي حملَها ربعيُ بن عامرٍ وهو يدخلُ بثيابه الممزقةِ الباليةِ على رستم قائدِ فارس، فيهزُّ كيانَه بتلك الكلماتِ الخالدةِ التي اهتزَ لها العالمَ حيثُ يقول: إن الله ابتعثنا لنخرجَ العبادَ من عبادةِ العبادِ إلى عبادةِ ربِ العبادِ، ومن ضيقِ الدنيا إلى سعةِ الآخرةِ، ومن جورِ الأديانِ إلى عدلِ الإسلامِ.

 

يومٌ من الدهرِ لم تَصنـعْ أشعتَـه شمسُ الضحى بل صنعناه بأيدينا

 

هل أشرقَ المجدُ إلا من طلائعنا وهل بدا النجمُ إلا من نواصينا

 

 

 

الرسالةُ السادسة

 

للمرأةِ

 

وأقولُ لمجتمعنا قبلَ أن نبحثَ في مسائلَ عصريةٍ جدتْ عندنا في شأنِ المرأة، دعونا نعترفَ أولاً بالحقِّ الشرعيِّ للمرأةِ المنصوصِ عليه في الكتابِ والسنةِ، فهل امتثلنَا قولَ اللهِ عز وجل في شأنِ النساء )وعاشروهن بالمعروف( هل أدينا حقّهُنَّ من الرعايةِ واللطفِ وحسنِ الولايةِ والرفقِ والاعترافِ بمكانتِها وأثَرُها في الحياةِ كأمٍ وأختٍ وزوجةٍ وبنتٍ؟ وهل عملنَا بقولِ الرسول صلى الله عليه وسلم : "استوصوا بالنساءِ خيراً فإنهن عوانٌ عندكم"؟ فهل أحسنا التعاملَ مع هذا الكيانِ الطاهرِ العظيمِ؟ وهل فعّلنا في حياتِنا قولَ المعصومِ صلى الله عليه وسلم: "النساءُ شقائقُ الرجال"، لقد نسي بعضُنا حقَّ المرأةِ حتى أنكرَ بعضُ الجهلةِ الجفاةِ حقَّها في الميراث، وَمَنَعَها من أبسطِ حقوقِها وهو التعليمُ والمعرفةُ، بل تعدى بعضُ الظلمةِ إلى عضلِها ومنعِها من الزواجِ مقابلُ ثمنٍ بخسٍ من مالِها وراتبِها، وتعاملَ معها بعضَ القساةِ بعنفٍ ضرباً وهجراً وتهديداً ووعيداً، وليس لها سلاحٌ أمامَ هذا العدوانِ إلا دموعُها مع العلمِ أن الواحدةَ منهنَّ قد تفوقُ عشراتُ الرجالِ علماً وفَهْماً وصلاحاً ونفعاً، يقول المتنبي :

 

وَلَو كانَ النِساءُ كَمَن فَقَدنا لَفُضِّلَتِ النِساءُ عَلى الرِجالِ

 

فما التَأنيثُ لاِسمِ الشَمسِ عَيبٌ وَلا التَذكيرُ فَخرٌ لِلهِلالِ

 

إن المرأةَ هديةٌ ربانيةٌ وكرامةٌ إلهية، فهي أمُّ الأبطالِ ومصنعُ الرجالِ ومدرسةُ الأجيالِ:

 

الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ

 

فهل يعي هذا المعنَى من قلَّ علمُه وفهمُه وصارَ إذا ذكرَها قال من غباوتِه وجهلِه: المرأةُ أكرمكُم الله!! يكفي النساءُ فخراً وشرفاً ومجداً أن أمَّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم امرأة:

 

وَأَسدَت لِلبَرِيَّةِ بِنتُ وَهبٍ يَداً بَيضاءَ طَوَّقَتِ الرِقابا

 

لقد حانَ الوقتُ أن تفعّلَ حقوقَ المرأةِ الشرعيةِ في واقعنِا؛ لتكونَ كما أرادها الله، بل إنَّ اللهَ جعلَ المثل الأعلى للمؤمنينَ آسية امرأة فرعون )وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين(.

 

المرأةُ ليستْ من سِقطِ المتاعِ، وليستْ ميراثاً يُورثه الآباءُ للأبناء، المرأةُ نصفُ الرجلِ والمجتمعِ والأمة، لها رأيُها ومكانتُها، ولها حقوقٌ وعليها واجبات، وهي تشاركُ في العلمِ والبناءِ في ظلِّ شرعِ اللهِ المطهر، فلنصححْ أخطاءنا تجاه المرأة، ولنحسنَ التعاملَ مع الأمهاتِ والبناتِ والأخواتِ والزوجاتِ.

 

 

الرسالةُ السابعة

 

الحوار

 

الحوارُ طريقُنا إلى أن نُفهمَ الناسَ رسالتَنا، والحوارُ الحقُّ الراشدُ البناءُ بدأَ بجوارِ الكعبةِ المشرفةِ في مكة المكرمةِ حين أطلقَه رسولُ الهدى صلى الله عليه وسلم منهجاً واختطَهُ سنةً، حتى مع أعدائِه فقدْ جاءهُ الوليدُ بنُ المغيرةِ فأخذَ يعرضُ ما عندَه في سبيلِ إقناعِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم بالعدولِ عن دعوتِه، والرسولُ صلى الله عليه وسلم مطرقٌ منصتٌ مستمعٌ، فلما انتهى الرجلُ من كلامِه، قالَ له الرسولُ صلى الله عليه وسلم: "انتهيتَ يا أبا المغيرة" يعني: هل بقي عندكَ كلامٌ ؟ هل يدورُ في خَلَدِكَ شيءٌ؟

 

وفي القرآن )وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله( إن علينا أن نسمعَ غيرنَا حُجّتَنا، ونَسْمعَ من غيرِنَا عن طريقِ التفاهمِ والحوارِ، وقبلَ أن نحاورَ الآخرَ علينا أنْ نُحييَ الحوارَ فيما بينَنا في بيوتِنا بين الأبِ وأبنائِه، والأمّ وأولادِها، في مدارسِنا وجامعاتِنا، في منتدياتِنا ولقاءتِنا بغير تشنجٍ ولا إرهابٍ فكريٍّ، ولا إكراهٍ في الدينِ، ولا تهديدٍ ووعيدٍ، إن الفاشلَ يهربُ من البرهانِ إلى السبِّ والهذيان، ويفرُّ من المنطقِ إلى الجدلِ العقيمِ، لقد علَّمنَا القرآنُ كيف نحاورَ ونجادلَ ونتفاهَم، يقول سبحانه: )قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين( وقال تعالى: )قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا( وقال سبحانه: )ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن( إن لدينا ثوابتَ قد أجمعنا عليها في دينِنا، وهي جوامعُ الملةِ وأصولُ المعتقدِ كأركانِ الإسلامِ والإيمانِ ونحوها، ولكن عندنَا فروع وجزيئاتٍ يسوغُ لنا أن نجتهدَ فيها، ونعذرَ المخالفَ، ولا نشنِّع عليه ونسفِّه رأيَه ونلغي اجتهاده، بل نقبلُ الحقَ ممن قالَه كائناً من كان، ونسامحُ من خالفَنا فيما يُقبلُ الخلافُ فيه، ونحترمُ وجهةَ نظرِه، إن من قلَّ علمُه وفهمُه ضاقَ أفقُه، وساءَ خلقُه، فحاربَ من خالفَه، وناصبَ العِداءَ لمن عارضَه وهذا منهجٌ فرعونيٌ قديم؛ وقد قال الله تعالى على لسان ذاك الطاغية: )ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد( ومعناه: إلغاءُ العقولِ الأخرى، والتشطيبُ على آراءِ الناس، كيف نريدُ أن نقدِّمَ رسالتَنا للعالمِ ونحن نتصارعُ في الخلافياتِ، والأمورِ الاجتهاديةِ، وننشرُ غسيلَنا في صُحُفِنَا، وفي مواقعِ الانترنتِ بعنترياتٍ وغضباتٍ مضريَّة، وليس عليها أثارةٌ من علمٍ ولا نورٌ من وحي، لقد اختلفَ الصحابةُ في مسائلَ اجتهاديةٍ فعذرَ بعضهم بعضاً ولم يعنِّفْ أحدهُم على الآخرِ، ولم يهجرْهُ ولم يسبّهُ ولم يشتمْه؛ لعلمهم أن في الإسلامِ مساحةً واسعةً من خلافِ التنوعِ لسماحةِ الدينِ وُيسرِه وعالميته.

 

لقد أمرنا الإسلامُ أن نحاورَ أهلَ الكتابِ بالحسنى، ونأخذَ ونعطي معهم، لكن هذا لا يتم إلا إذا فهمْنا دينَنا فهماً صحيحاً، وكان عندنا أفقٌ رحبٌ واسعٌ وعقولٌ كبيرةٌ واعيةٌ تستحق حملَ هذه الرسالةِ العظيمة، أما إذا شاهدنا العالمُ ونحن نتنابزُ بالألقابِ، ويجرحُ بعضُنَا بعضاً، ويَدَّعي أحدُنا صوابَه وخطأَ من خالفَهُ في أمرٍ اجتهادي، حينها لن ينصتَ لنا، وليس عندهُ وقتٌ في السماعِ منا، دعونا نترفعُ عن الحروبِ الوهميةِ في ما بيننا، ومصارعةِ الظلِّ والتطاحنِ الكلامي في وقتٍ سافر العالمُ فيه إلى عُطارِد والمريخِ يكتشف وتركنا في الأرضِ، فلا أحسنا حملَ رسالةَ السماءِ، ولا عبرنا الفضاءَ.

 

 

الرسالةُ الثامنة

 

للشبابِ

 

يا شبابَ الأمةِ، أنتم عدتُها وعِمَادُها بعد اللهِ ومستقبلُها وزادُكم في مسيرةِ الحياة هو الإيمانُ باللهِ ربّاً وبالإسلامِ ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً، يا شبابَ الإسلامِ إنَّ اللهَ تعالى مدحَ أهلَ الكهفِ فقال: )إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى( فالإيمانُ هو سرُّ عظمتِكُم وخلودِ ذكرِكُم ونجاحِكُم وعلوِ شأنِكُم، وإني أخشى عليكُم من مسلكَين خَطِرين مذمومين باطلين وهما: الإفراطُ والتفريط، أما الإفراطُ فهو غلو في الدينِ وخروجٌ عن جماعةِ المسلمين وتنطعٌ بغيضٌ يؤدي بكم إلى بدعةِ الخوارجِ القبيحةِ التي استحلوا بها الدماءَ، وأزهقوا بها الأرواحَ، لسوء التأويلِ والإعراضِ عن فَهْم التنـزيلِ، فضلّوا وأضلّوا وصاروا حربةً في ظهرِ أمتهِم؛ لأنهم تجاوزوا الحدَّ وأعرضوا عن الوسطية، وخالفوا السنةَ وزادوا على المشروع، وجانبوا الجادة.

 

وأما التفريطُ فهو الخطر الآخرُ المقابلُ للغلو، وهو التحللُ من الدينِ ورفضُ التدينِ والوقوعُ في الشهواتِ المزريةِ والشبهاتِ المضلة، فيصبحُ الشابُ رهينَ مخدرات، وعبدَ نزواتٍ، لا يعرفُ الطريقَ إلى المسجدِ ولا يتعاهدُ المصحفَ، قد نبذَ الحياءَ، وجانَب الفضيلةَ، وهجرَ القيمَ وعادى الصالحين، حملته نفسُه الأمارةُ بالسوءِ على كلِّ محرمٍ حتى عادَ بجنايتِه إلى غياهبِ السجونِ وراء القضبان، أو في المصحاتِ النفسيّةِ والعياداتِ العقلية، قد ماتَ ضميرُه، وانتكستْ روحُه، وأظلمَ قلبُه )فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً( فيا شبابَ الإسلام: الوسطَ الوسطَ، لا إلى هؤلاءِ ولا إلى هؤلاء، اتبعُوا ولا تبتعدُوا، اسلكوا طريقَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ديناً قيماً سهلاً ميسراً فما كان محمدٌ صلى الله عليه وسلم إلا هادياً مهديَّاً )وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين( ويقولُ عليه الصلاةُ والسلامُ: "بُعثت بالحنيفية السمحة" ويقول لأصحابه : "بشروا ولا تنفروا ويسِّروا ولا تعسروا".

 

فيا شبابَ الإسلام: ألزموا جماعةَ المسلمين، وخذوا العلمَ من علماءِ الأمةِ، وإياكم الأفكارَ الغريبةَ على الدينِ المخالفةَ لإجماعِ المؤمنين، واحفظوا معتقدَكَم من الأهواءِ والبدعِ، وعقولَكَم من الانحرافِ، وأوقاتَكَم من الضياع، وأقبلُوا على العلمِ والمعرفةِ وتزكيةِ النفوسِ بالفضائلِ وتطهيرِها من الرذائلِ مع التحلي بالخلقِ الحسنِ من التواضعِ ولينِ الجانبِ والرحمةِ بالناسِ والرفقِ بهم وتحبيبهم في الدينِ وتجميلِ صورةِ الإسلام، فالجامعاتُ تنتظرُكم، وميدانُ العملِ يرحبُ بكم، شاركوا في صناعةِ الحياةِ فإن الرسولَ صلى الله عليه وسلم صنعَ بشبابِ أصحابِه حياةً سعيدةً رضيةً ناجحةً، وفتح بهم العالم، ونشر الدين في أرجاء المعمورة، ووظَّفَ طاقاتهم وفق استعدادِهم ومواهبِهم، فأبو بكرٍ للإمامة، وعمرُ للعدل، وعثمانُ للإنفاق، وعليٌّ للقضاء، ومعاذُ للفتيا، وابنُ عباسٍ للتفسير، وخالدٌ للجهاد، وحسانُ للشعر، وزيدٌ للفرائض )قد علم كل أناس مشربهم( الإسلامُ بحاجةٍ إلى عالمٍ رباني، وخطيبٍ مجُيدٍ، وكاتبٍ بارعٍ، وصحفيٍ ناجحٍ، وشاعرٍ قدير، وطبيبٍ متميزٍ، ومهندسٍ متفوقٍ، وجنديٍ أمين، ومزارع دؤوبٍ، نحن في الإسلام جمعيةُ كبرى، ومؤسسةُ عظمى، طرفُها الأيمنُ تبدأُ بأبي بكر الصديقِ في صلاحِه وتقواه، وطرفُها الأيسرُ ينتهي بأبي محجنِ الثقفي، فمنا المقبولُ والجيدُ والمتميز والـمُبَرِّزُ على منهجِ )ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات(.

 

 

الرسالةُ التاسعة

 

للآباء

 

فقد أوجبَ اللهَ على الآباءِ حسنَ رعايةِ الأبناء، وجميلَ تربيتِهم، يقولُ سبحانه: )يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً( وقال عليه الصلاةُ والسلام: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن عن رعيته"، فحقٌّ على كلِّ أبٍ أن يتقيَ اللهَ في بيته وأبنائه بحيثُ يتعاهدُ رعيتَه بحسنِ التربيةِ والتوجيهِ والإرشادِ والتقويمِ، فلا يكونَ فظّاً غليظاً، ولا يكونُ مهملاً مفرطاً، وقد وُجِدَ في المجتمعِ آباءٌ ركِبُوا مركبَ الشدةِ والعنفِ مع أبنائهمِ فاستعملوا معهم الجفاءَ والقسوةَ والضربَ، فكان النفورُ من الأبناءِ، بل كانت النتائجُ عكسيةٌ من التفلُّتِ والانحرافِ والانتكاس؛ لأنَّ من حُرمَ الرفقَ حُرمَ الخيرَ كلَّه، والرفقُ لا يأتي إلا بخيرٍ واللهُ رفيقٌ يحبُّ الرفق، ويعطي على الرفقِ ما لا يعطي على العنفِ، ولقد أخذَ صلى الله عليه وسلم الحسنَ ابنَ عليٍّ وابنَ فاطمةَ رضيَ اللهُ عنهم أجمعين وقبَّلهُ أمامَ الناسِ ولاعبه، فقالَ الأقرعُ ابنُ حابسٍ: يا رسولَ الله، أتقبِّلون الأطفالَ عندكُم؟ قال صلى الله عليه وسلم: "نعم"، فقالَ الرجلُ والله إنَّ عندي عشرةً من الأبناءِ ما قبَّلتُ واحداً منهم! فقال صلى الله عليه وسلم: "وهلْ أملكُ أن نزعَ اللهُ الرحمةَ من قلبك"، إن الأطفالَ بحاجة إلى رحمةِ الأبِ، وحنانِ الأمِّ، ومسكين من نزعَ اللهُ الرحمةَ من قلبهِ، ومن لا يَرحمُ لا يُرحمُ، والراحمون يرحمهُم الرحمن، وقابلَ هذا الصنفَ صنفٌ آخر أهملوا أبناءَهم، وتركوا التأديبَ والتربيةَ، وأطلقوا لهم العَنانَ وتركوهم بلا رعاية، فنشأ الطفلُ كسولاً خاملاً تبعاً لهواه، يحبُ اللعبَ واللهو، ويكرهُ الجدَّ والعملَ، فتنكَّرَ للواجبِ، وعطَّلَ حقَّ اللهِ وحقَّ عباده، وما ذاك إلا أن أباه أهمله فلم يربِّه على معاليَ الأمورِ، وجميلِ الأخلاقِ، ومحامدَ الصفاتِ، والراشدون من الآباءِ هم من جمعَ بين الرحمةِ وحسنِ التربية، بين الرفقِ والمسؤولية، فعلَّمَ وربّى وأرشد، فكان ثمرةُ هذا الجهدِ المباركِ أبناءً بررةً راشدين ناجحين في الحياة، يقول أحد الحكماء:" لاعبْ ابنكَ سبعاً، وأدِّبْهُ سبعاً، وصاحبْهُ سبعاً، ثم اتركُه للتجارِب".

 

هل عندَ الإنسانِ أغلى من ابنه؟ هل لديهِ بعدَ اللهِ ورسولهِ أحبُّ من فلذةِ كبده؟ فلماذا لا يمنحُ ابنَهُ حبَّه ورعايتَه وتربيتَه والعنايةَ بروحهِ وفكرهِ وجسمهِ؟ ليردَّ له هذا الابنُ أو البنتُ الجميلَ مضاعفاً من البرِ وحسنِ الذكرِ والدعاءِ والسيرةِ الحميدةِ والنجاحِ الباهرِ في الحياة، ثم الاجتماعِ بهم في جناتِ النعيمِ )والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم.

 

 

الرسالةُ العاشرة

 

للعالمِ الآخر

 

أيها العالم: )تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله( تعالوا إلى التفاهمِ، تعالوا إلى التعايشِ السلمي، تعالوا إلى حياةٍ إنسانيةٍ يسودها المنطقُ والحوارُ تحت مظلة )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير.

 

لماذا أيها العالم لا تنصتُوا لنا قليلاً لنُسْمِعَكُم رسالتَنا بهدوءٍ، بعيداً عن القهرِ والتَّشنجِ والإلغاءِ والإقصاءِ، لقد قالَ اللهُ لرسولِنا صلى الله عليه وسلم في فجِر الرسالةِ: )وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين(، فدينُنا رحمةٌ لا عذاب، وعدالةُ لا ظلم، وسلامُ وأمنٌ لا قلقٌ وخوف، إننا أيها العالمَ: نحملُ مشروعاً حضاريًّا عالمياً ربانياً رائداً، أثبتَ نجاحَه خلال أربعةَ عشر قرناً، وإلا فما هو السرُّ أن يستمَر هذا الدينَ ويعيشَ هذا العمرَ الطويلُ، ويرفرفَ في ربوعِ المعمورةِ فيطوي الزمان والمكان، ولقد أنبهرَ أساطينُ الفكرِ المنصفون في العالمِ من جمالِ الإسلامِ وسموه، ودبَّجوا شهاداتٍ حفظَها التاريخ، ومن آخرِها ما ذكرهُ نكسون الرئيسُ الأمريكيُ السابقُ حيثُ قال: نحن قوةُ عسكريةٌ هائلةٌ، ولكن للأسفِ الأفكارُ العظيمةُ في الإسلامِ، فيا أيها العالم: لا تعلقوا أخطاءنا بالإسلام، ولا تنسبُوا تقصيرَنا إلى هذا الدينِ العظيم، اقرؤوا بأنفسِكم نصوصَ الرسالةِ، وطالعوا أنتم وثيقتَنا الربانيةَ، ولكم أن تجلسِوا مع علمائِنا ومفكريِنا ليشرحُوا لكم بنودَ الإسلامِ وتعاليمِه في عالمِ المعتقدِ والأخلاقِ والسلامِ العالي، وحقوقِ الإنسانِ والمواثيقِ الدولية، وحقوقِ المرأةِ، ومسائلِ الاقتصادِ والمال، واحذروا أن تأخذوا إسلامَنا من أحدِ رجلين: جاهلٍ أحمقٍ متطرفٍ، ولا مشوِّه مهزومٍ متخاذلٍ، الإسلامُ يُؤخذ من مسلمٍ سوي عاقلٍ رشيدٍ يجمعُ بين العلمِ النافعِ والعملِ الصالحِ، بين العقلِ الراجحِ والنقلِ الصحيحِ.

 

إن الإسلامَ قضيةٌ عادلةٌ لا يحملُه محامٍ فاشلِ، والإسلامُ ميثاقُ شرفٍ ومشروعُ أمةٍ ودستورُ حضارةِ، لا يحسنُ عرضُه سفيهٌ غبي، ولا يُؤمنُ عليه منافقٌ مرتاب، )ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم



بسم الله الرحمن الرحيم

 

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ..الحج40

 

صبرا آل فلسطين .. في زمن بردت دماء العرب

 

4102ih7mp1.jpg

 

رابطة مشجعي النادي الاهلي

رابط هذا التعليق
شارك

السلام عليكم بجد مرسى ياياسر موضوع رائع ورسايل ياريت كل مسلم يقراها وياريت توصل لكل الناس بارك الله فيك

(42):(711):(42):

رابط هذا التعليق
شارك

من فضلك سجل دخول لتتمكن من التعليق

ستتمكن من اضافه تعليقات بعد التسجيل



سجل دخولك الان
  • المتواجدين الان   0 اعضاء متواجدين الان

    • لايوجد اعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحه
×
×
  • اضف...