Titanic_Ahmed قام بنشر August 30, 2008 الكاتب Share قام بنشر August 30, 2008 الليلة الرابعة عشرة >>>>>>>>>>>> تكمله حكاية الحمال مع البنات قالت شهرزاد : بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك الثاني قال للصبية : يا سيدتي لما رفست القبة رفساً قويا ً، قالت لي المرأة : أن العفريت قد وصل إلينا أما حذرتك من هذا ولله لقد آذيتني ولكن انج بنفسك واطلع من المكان الذي جئت منه . فمن شدة خوفي نسيت نعلي وفأسي ، فلما طلعت درجتين التفت لأنظرهما فرأيت الأرض قد انشقت وطلع منها عفريت ومنظر شنيع ، وقال : ما هذه الزعجة التي أرعشتني بها فما مصيبتك . فقالت : ما أصابني شيء غير أن صدري ضاق ، فأردت أن أشرب شراباً يشرح صدري فنهضت لأقضي أشغالي فوقعت على القبة . فقال لها العفريت : يا فاجرة . ونظر في القصر يميناً وشمالاً فرأى النعل والفأس فقال لها : ما هذه إلا متاع الإنس من جاء إليك . فقالت : ما نظرتهما إلا في هذه الساعة ولعلهما تعلقا معك . فقال العفريت : هذا كلام محال لا ينطلي علي يا عاهرة . ثم أنه أعراها ، وصلبها بين أربعة أوتاد وجعل يعاقبها ويقررها بما كان فلم يهن علي أن أسمع بكاءها فطلعت من السلم مذعوراً من الخوف فلما وصلت إلى أعلى الموضع رددت الطابق كما كان وسترته بالتراب وندمت على ما فعلت غاية الندم وتذكرت الصبية وحسنها وكيف يعاقبها هذا الملعون وهي لها معه خمسة وعشرون سنة وما عاقبها إلا بسببي وتذكرت أبي ومملكته وكيف صرت حطاباً ، فقلت هذا البيت : إذا ما أتاك الدهر يوماً بنـكـبة ........ فيوم ترى يسراً ويوم ترى عسرا ثم مشيت إلى أن أتيت رفيقي الخياط فلقيته من أجلي على مقالي النار وهو لي في الانتظار فقال لي : بت البارحة وقلبي عندك وخفت عليك من وحش أو غيره فالحمد لله على سلامتك . فشكرته على شفقته علي ودخلت خلوتي ، وجعلت أتفكر فيما جرى لي وألوم نفسي على رفسي هذه القبة وإذا بصديقي الخياط دخل علي وقال لي : في الدكان شخص أعجمي يطلبك ومعه فأسك ونعلك قد جاء بهما إلى الخياطين وقال لهم أني خرجت وقت آذان المؤذن ، لأجل صلاة الفجر فعثرت بهما ولم أعلم لمن هما فدلوني على صاحبها ، فدله الخياطون عليك وها هو قاعد في دكاني فاخرج إليه واشكره وخذ فأسك ونعلك . فلما سمعت هكذا الكلام اصفر لوني وتغير حالي فبينما أنا كذلك وإذا بأرض محلي قد انشقت وطلع منها الأعجمي وإذا هو العفريت وقد كان عاقب الصبية غاية العقاب فلم تقر له بشيء فأخذ الفأس والنعل وقال لها : إن كنت جرجريس من ذرية إبليس فأنا أجيء بصاحب هذا الفأس والنعل . ثم جاء بهذه الحيلة إلى الخياطين ودخل علي ولم يمهلني بل اختطفني وطار وعلا بي ونزل بي وغاص في الأرض وأنا لا أعلم بنفسي ، ثم طلع بي القصر الذي كنت فيه فرأيت الصبية عارية والدم يسيل من جوانبها فقطرت عيناي بالدموع . فأخذها العفريت وقال لها : يا عاهرة هذا عشيقك . فنظرت إلي وقالت له : لا أعرفه ولا رأيته إلا في هذه الساعة . فقال لها العفريت : أهذه العقوبة ولم تقري . فقالت ما رأيته عمري وما يحل من الله أن أكذب عليه . فقال لها العفريت : إن كنت لا تعرفينه ، فخذي هذا السيف واضربي عنقه . فأخذت السيف وجاءتني ووقفت على رأسي فأشرت لها بحاجبي فنهضت وغمرتني وقالت : أنت الذي فعلت هذا كله . فأشرت لها أن هذا وقت العفو ولسان حالي يقول : يترجم طرفي عن لساني لتعلمـوا ........ ويبدو لكم ما كان في صدري يكتم ولما التقينا والـدمـوع سـواجـم ........ خرست وطرفي بالهوى يتكـلـم تشير لنا عما تقول بـطـرفـهـا ........ وأرمي إليها بالبنان فـتـفـهـم حواجبنا تقضي الحوائج بـينـنـا ........ فنحن سكوت والهوى يتـكـلـم فلما فهمت الصبية إشارتي رمت السيف من يدها ، فناولني العفريت السيف وقال لي : اضرب عنقها وأنا أطلقك ولا أنكد عليك . فقلت : نعم . وأخذت السيف وتقدمت نشاط ورفعت يدي ، فقالت لي بحاجبها : أنا ما قصرت في حقك . فهملت عيناي بالدموع ورميت السيف من يدي ، وقلت : أيها العفريت الشديد والبطل الصنديد ، إذا كانت امرأة ناقصة عقل ودين لم تستحل ضرب عنقي فكيف يحل لي أن أضرب عنقها ولم أرها عمري ، فلا أفعل ذلك أبداً ولو سقيت من الموت كأس الردى . فقال العفريت : أنتما بينكما مودة . أخذ السيف وضرب يد الصبية فقطعها ، ثم ضرب الثانية فقطعها ثم قطع رجلها اليمنى ثم قطع رجلها اليسرى حتى قطع أرباعها بأربع ضربات وأنا أنظر بعيني فأيقنت بالموت ثم أشارت إلي بعينيها فرآها العفريت فقال لها : وقد زنيت بعينك . ثم ضربها فقطع رأسها ، والتفت إلي وقال : يا آنسي نحن في شرعنا إذا زنت الزوجة يحل لنا قتلها ، وهذه الصبية اختطفتها ليلة عرسها ، وهي بنت اثنتي عشرة سنة ولم تعرف أحداً غيري وكنت أجيئها في كل عشرة أيام ليلة واحدة في زي رجل أعجمي . فلما تحققت أنها خانتني فقتلتها وأما أنت فلم أتحقق أنك خنتني فيها ، ولكن لا بد أني إما اخليك في عافية فتمن علي أي ضرر . فرحت يا سيدتي غاية الفرح وطمعت في العفريت وقلت له : وما أتمناه عليك . قال : تمن علي أي صورة اسحرك فيها إما صورة كلب وإما صورة حمار وإما صورة قرد . فقلت له وقد طمعت أنه يعفو عني : والله إن عفوت عني يعفو الله عنك ، بعفوك عن رجل مسلم لم يؤذيك . وتضرعت إليه غاية التضرع ، وبقيت بين يديه ، وقلت له : أنا رجل مظلوم . فقال لي : لا تطل علي الكلام أما القتل فلا تخف منه وأما العفو عنك فلا تطمع فيه وأما سحرك فلا بد منه . ثم شق الأرض وطار بي إلى الجو حتى نظرت إلى الدنيا حتى كأنها قصعة ماء ، ثم حطني على جبل وأخذ قليلاً من التراب وهمهم عليه وتكلم وقال اخرج من هذه الصورة إلى صورة قرد . فمنذ ذلك الوقت صرت قرداً ابن مائة سنة فلما رأيت نفسي في هذه الصورة القبيحة بكيت على روحي وصبرت على جور الزمان وعلمت أن الزمان ليس لأحد وانحدرت من أعلى الجبل إلى أسفله وسافرت مدة شهر ، ثم ذهبت إلى شاطئ البحر المالح ، فوقفت ساعة وإذا بمركب في وسط البحر قد طاب ريحها وهي قاصدة البر ، فاختفيت خلف صخرة على جانب البحر وسرت إلى أن أتيت وسط المركب . فقال واحد منهم : أخرجوا هذا المشؤوم من المركب ، وقال واحد منهم : نقتله ، وقال آخر : اقتله بهذا السيف . فأمسكت طرف السيف وبكيت ، وسالت دموعي فحن علي الريس وقال لهم : يا تجار إن هذا القرد استجار بي وقد أجرته وهو في جواري فلا أحد يعرض له ولا يشوش عليه . ثم أن الريس صار يحسن إلي ومهما تكلم به أفهمه وأقضي حوائجه وأخدمه في المركب . وقد طاب لها الريح مدة خمسين يوماً فرسينا على مدينة عظيمة ، وفيها عالم كثير لا يحصى عددهم إلا الله تعالى فساعة وصولنا أوقفنا مركبنا فجاءتنا مماليك من طرف ملك المدينة فنزلوا المركب وهنوا التجار بالسلامة ، وقالوا : إن ملكنا يهنئكم بالسلامة وقد أرسل إليكم هذا الدرج الورق وقال كل واحد يكتب فيه سطرا . فقمت وأنا في صورة القرد وخطفت الدرج من أيديهم ، فخافوا أني أقطعه وأرميه في الماء فنهروني وأرادوا قتلي فأشرت لهم أني أكتب فقال لهم الريس : دعوه يكتب فإن لخبط الكتابة طردناه عنا وإن أحسنها اتخذته ولداً فإني ما رأيت قرداً أفهم منه . ثم أخذ القلم واستمديت الحبر وكتبت سطراً بقلم الرقاع ورقمت هذا الشعر : لقد كتب الدهر فضل الكرام ........ وفضلك للآن لايحـسـب فلا أيتم الله منـك الـورى ........ لأنك للفضل نـعـم الأب وكتبت بقلم الثلث هذين البيتين : وما من كاتب إلاسيفـنـى ........ ويبقي الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب بخطك غير شيء ........ يسرك في القيامة أن تراه وكتبت تحته بقلم المشق هذين البيتين : إذا فتحت دواة العز والـنـعـم ........ فاجعل مدادك من جود ومن كرم واكتب بخير إذا ما كنت مقتـدراً ........ بذاك شرفت فضلاً نسبه القلـم ثم ناولتهم ذلك الدرج الورق فطلعوا به إلى الملك ، فلما تأمل الملك ما في ذلك الدرج لم يعجبه خط أحد إلا خطي ، فقال لأصحابه : توجهوا إلى صاحب هذا الخط وألبسوه هذه الحلة وأركبوه بغلة وهاتوه بالنوبة وأحضروه بين يدي . فلما سمعوا كلام الملك تبسموا فغضب منهم ثم قال : كيف آمركم بأمر فتضحكون علي . فقالوا : أيها الملك ما نضحك على كلامك ، بل الذي كتب هذا الخط قرد وليس هو آدميا وهو مع ريس المركب . فتعجب الملك من كلامهم واهتز من الطرب ، وقال : أريد أن أشتري هذا القرد . ثم بعث رسلاً إلى المركب ومعهم البغلة والحلة وقال : لابد أن تلبسوه هذه الحلة وتركبوه البغلة وتأتوا به . فساروا إلى المركب وأخذوني من الريس وألبسوني الحلة فاندهش الخلائق وصاروا يتفرجون علي ، فلما طلعوا بي للملك ورأيته قبلت الأرض ثلاث مرات فأمرني بالجلوس ، فجلست على ركبتي ، فتعجب الحاضرون من أدبي وكان الملك أكثرهم تعجباً ثم أن الملك أمر الخلق بالإنصراف فانصرفوا ، ولم يبق إلا الملك والطواشي ومملوك صغير وأنا ، ثم أمر الملك بطعام فقدموا سفرة طعام فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين فأشار إلي الملك أن كل فقمت وقبلت الأرض بين يديه سبع مرات وجلست آكل معه وقد ارتفعت السفرة وذهبت فغسلت يدي وأخذت الدواة والقلم والقرطاس وكتبت هذين البيتين : أتاجر الضأن ترياق من العلـل ........ وأصحن الحلو فيها منتهى أملي يا لهف قلبي على مد السماط إذا ........ ماجت كنافته بالسمن والعسـل ثم قمت وجلست بعيداً أنتظر الملك إلى ما كتبته وقرأه فتعجب وقال : هذا يكون عند قرد هذه الفصاحة وهذا الخط والله إن هذا من أعجب العجب . ثم قدم للملك شطرنج ، فقال لي الملك : أتلعب ؟ قلت برأسي : نعم . فتقدمت وصففت الشطرنج ولعبت معه مرتين فغلبته فحار عقل الملك وقال : لو كان هذا آدميا لفاق أهل زمانه . ثم قال لخادمه : إذهب إلى سيدتك وقل لها : كلمي الملك حتى تجيء فتتفرج على هذا القرد العجيب . فذهب الطواشي وعاد معه سيدته بنت الملك ، فلما نظرت إلي غطت وجهها ، وقالت : يا أبي كيف طاب على خاطرك أن ترسل إلي فيراني الرجال الأجانب . فقال : يا بنتي ما عندك سوى المملوك الصغير والطواشي الذي رباك وهذا القرد وأنا أبوك فممن تغطين وجهك . فقالت : إن هذا القرد إبن ملك وإسم أبيه إيمار ، صاحب جزائر الأبنوس الداخلة وهو مسحور وسحره العفريت جرجريس الذي هو من ذرية إبليس ، وقد قتل زوجته بنت ملك أقناموس وهذا الذي تزعم أنه قردا إنما هو رجل عالم عاقل . فتعجب الملك من إبنته ونظر إلي وقال : أحق ما تقول عنك . فقلت برأسي : نعم . وبكيت فقال الملك : لبنته من أين عرفت أنه مسحور ؟ فقالت : يا أبت كان عندي وأنا صغيرة عجوز ماكرة ساحرة علمتني السحر ، وقد حفظته وأتقنته وعرفت مائة وسبعين بابا من أبوابه ، أقل باب منها أنقل به حجارة مدينتك خلف جبل قاف وأجعلها لجة بحر وأجعل أهلها سمكا في وسطه . فقال أبوها : بحق إسم الله عليك أن تخلصي لنا هذا الشاب ، حتى أجعله وزيري وهل فيك هذه الفضيلة ولم أعلم فخلصيه حتى أجعله وزيري لأنه شاب ظريف لبيب . فقالت له : حباً وكرامة . ثم أخذت بيدها سكينا ، وعملت دائرة . رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
Titanic_Ahmed قام بنشر August 30, 2008 الكاتب Share قام بنشر August 30, 2008 الليلة الخامسة عشرة >>>>>>>>>>>>> تكمله حكاية الحمال مع البنات قالت شهرزاد : بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك قال للصبية : يا سيدتي ، ثم أن بنت الملك أخذت بيدها سكيناً مكتوباً عليها أسماء عبرانية ، وخطت بها دائرة في وسط وكتبت فيها أسماء وطلاسم وعزمت بكلام وقرأت كلاما ، لا يفهم ، فبعد ساعة أظلمت علينا جهات القصر ، حتى ظننا أن الدنيا قد إنطبقت علينا وإذا بالعفريت قد تدلى علينا في أقبح صفة بأيد كالمداري ورجلين كالصواري وعينين كمشعلين يوقدان ناراً ، ففزعنا منه . فقالت بنت الملك : لا أهلاً بك ولا سهلاً . فقال العفريت وهو في صورة أسد : يا خائنة كيف خنت اليمين أما تحالفنا على أن لا يعترض أحدنا للآخر . فقالت له : يا لعين ومن أين لك يمين . فقال العفريت : خذي ما جاءك ثم انقلب أسدا وفتح فاه وهجم على الصبية . فأسرعت وأخذت شعرة من شعرها بيدها ، وهمهمت بشفتيها فصارت الشعرة سيفاً ماضياً وضربت ذلك الأسد فقطعته نصفين ، فصارت رأسه عقرباً ، وانقلبت الصبية حية عظيمة وهمهمت على هذا اللعين وهو في صفة عقرب ، فتقاتلا قتالاً شديداً ، ثم انقلب العقرب عقاباً فانقلبت الحية نسراً وصارت وراء العقاب واستمرا ساعة زمانية ثم انقلب العقاب قطاً أسود ، فانقلبت الصبية ذئبا فتشاحنا في القصر ساعة زمانية وتقاتلا قتالاً شديداً فرأى القط نفسه مغلوباً فانقلب وصار رمانة حمراء كبيرة ووقعت تلك الرمانة في بركة وانتثر الحب كل حبة وحدها وامتلأت أرض القصر حبا فانقلب ذلك الذئب ديكا لأجل أن يلتقط ذلك الحب حتى لا يترك منه حبة فبالأمر المقدر ، دارت حبة في جانب الفسقية فصار الديك يصيح ويرفرف بأجنحته ويشير إلينا بمنقاره ونحن لا نفهم ما يقول ، ثم صرخ علينا صرخة تخيل لنا منها أن القصر قد انقلب علينا ودار في أرض القصر كلها حتى رأى الحبة التي تدارت في جانب الفسقية فانقض عليها ليلتقطها وإذا بالحبة سقطت في الماء فانقلب الديك حماراً كبيراً ونزل خلفها وغاب ساعة وإذا بنا قد سمعنا صراخا عالياً فارتجفنا . وبعد ذلك طلع العفريت وهو شعلة نار فألقى من فمه ناراً ومن عينيه ومنخريه ناراً ودخاناً وانقلبت الصبية لجة نار فاردنا أن نغطس في ذلك الماء خوفاً على أنفسنا من الحريق فما شعرنا إلا العفريت قد صرخ من تحت النيران وصار عندنا في الديوان ونفخ في وجوهنا بالنار فلحقته الصبية ونفخت في وجهه بالنار أيضاً فأصابنا الشرر منها ومنه ، فأما شررها فلم يؤذينا وأما شرره فلحقني منه شرارة في عيني فأتلفتها وأنا في صورة القرد ولحق الملك شرارة منه في وجهه فأحرقت نصفه التحتاني بذقنه وحنكه ووقفت أسنانه التحتانية ووقعت شرارة في صدر الطواشي فاحترق ومات من وقته وساعته فأيقنا بالهلاك وقطعنا رجائنا من الحياة . فبينما نحن كذلك وإذا بقائل يقول : الله أكبر الله أكبر قد فتح ربي ونصر وخذل من كفر بدين محمد سيد البشر . وإذا بالقائل بنت الملك قد أحضرت العفريت فنظرنا إليه فرأيناه قد صار كوم رماد ، ثم جاءت الصبية وقالت إلحقوني بطاسة ماء فجاؤوا بها فتكلمت عليها بكلام لا نفهمه ثم رشتني بالماء وقالت : أخلص بحق الحق وبحق إسم الله الأعظم إلى صورتك الأولى . فصرت بشراً كما كنت أولاً ولكن تلفت عيني . فقالت الصبية : النار يا والدي . ثم أنها لم تزل تستغيث من النار وإذا بشرر أسود قد طلع إلى صدرها وطلع إلى وجهها فلما وصل إلى وجهها بكت وقالت : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله . ثم نظرنا إليها فرأيناها كوم رماد بجانب كوم العفريت فحزنا عليها وتمنيت لو كنت مكانها ولا أرى ذلك الوجه المليح الذي عمل في هذا المعروف يصير رماداً ولكن حكم الله لا يرد . فلما رأى الملك أبنته صارت كوم رماد نتف لحيته ولطم على وجهه وشق ثيابه وفعلت كما فعل وبكينا عليها ثم جاء الحجاب وأرباب الدولة فوجدوا السلطان في حالة العدم وعنده كوم رماد فتعجبوا وداروا حول الملك ساعة فلما أفاق أخبرهم بما جرى لإبنته مع العفريت فعظمت مصيبتهم وصرخ النساء والجواري وعملوا العزاء سبعة أيام . ثم إن الملك أمر أن يبني على رماد ابنته قبة عظيمة وأوقد فيها الشموع والقناديل وأما رماد العفريت فإنهم أذروه في الهواء إلى لعنة الله ثم مرض السلطان مرضاً أشرف منه على الموت واستمر مرضه شهراً وعادت إليه العافية فطلبني وقال لي : يا فتى قد قضينا زماننا في أهنأ عيش آمنين من نوائب الزمان حتى جئنا فأقبلت علينا الأكدار فليتنا ما رأيناك ولا رأينا طلعتك القبيحة التي لسببها صرنا في حالة العدم ، فأولاً عدمت ابنتي التي كانت تساوي مائة رجل وثانياً جرى لي من الحريق ما جرى وعدم أضراسي ومات خادمي ولكن ما بيدك حيلة بل جرى قضاء الله علينا وعليك والحمد لله حيث خلصتك إبنتي وأهلكت نفسها ، فاخرج يا ولدي من بلدي وكفى ما جرى بسببك وكل ذلك مقدر علينا وعليك ، فاخرج بسلام . فخرجت يا سيدتي من عنده وما صدقت بالنجاة ولا أدري أين أتوجه ، وخطر على قلبي ما جرى لي وكيف خلوني في الطريق سالماً منهم ومشيت شهراً وتذكرت دخولي في المدينة واجتماعي بالخياط واجتماعي بالصبية تحت الأرض وخلاصي من العفريت بعد أن كان عازماً على قتلي وتذكرت ما حصل لي من المبدأ إلى المنتهى فحمدت الله وقلت : بعيني ولا بروحي . ودخلت الحمام قبل أن أخرج من المدينة وحلقت ذقني وجئت يا سيدتي وفي كل يوم أبكي وأتفكر المصائب التي عاقبتها تلف عيني ، وكلما أتذكر ما جرى لي أبكي وأنشد هذه الأبيات : تحيرت والرحمن لاشك في أمري ........ وحلت بي الأحزان من حيث لا أدري سأصبر حتى يعلم الصـبر أنـني ........ صبرت على شيء أمر من الصبـر وما أحسن الصبر الجميل مع التقى ........ وما قدر المولى على خلقه يجـري سرائر سري ترجمـان سـريرتي ........ إذا مات سر السر سرك في سـري ولو أن ما بي بالجبـال لـهدمت ........ وبالنار أطفأهـا والـريح لـم يسـر ومن قال أن الـدهر فـيه حلاوة ........ فلا بد من يوم أمـر مـن الـمـر ثم سافرت الأقطار ووردت الأمصار وقصدت دار السلام بغداد لعلي أتوصل إلى أمير المؤمنين وأخبره بما جرى ، فوصلت إلى بغداد هذه الليلة فوجدت أخي هذا الأول واقفاً متحيراً فقلت : السلام عليك وتحدثت معه وإذا بأخينا الثالث قد أقبل علينا وقال : السلام عليكم أنا رجل غريب فقلنا : ونحن غريبان وقد وصلنا هذه الليلة المباركة . فمشينا نحن الثلاثة وما فينا أحد يعرف حكاية أحد فساقتنا المقادير إلى هذا الباب ودخلنا عليكم وهذا سبب حلق ذقني وتلف عيني . فقالت له : إن كانت حكايتك غريبة فامسح على رأسك واخرج في حال سبيلك . فقال : لا أخرج حتى أسمع حديث رفيقي . فتقدم الصعلوك الثالث وقال : أيتها السيدة الجليلة ما قصتي مثل قصتهما بل قصتي أعجب وذلك أن هذين جاءهما القضاء والقدر وأما أنا فسبب حلق ذقني وتلف عيني أنني جلبت القضاء لنفسي والهم لقلبي وذلك أني كنت ملكاً ابن ملك ، ومات والدي وأخذت الملك من بعده وحكمت وعدلت وأحسنت للرعية وكان لي محبة في السفر في البحر وكانت مدينتي على البحر والبحر متسع وحولنا جزائر معدة للقتال . فأردت أن أتفرج على الجزائر فنزلت في عشرة مراكب وأخذت معي مؤونة شهر وسافرت عشرين يوماً . ففي ليلة من الليالي هبت علينا رياح مختلفة إلى أن لاح الفجر فهدأ الريح وسكن البحر حتى أشرقت الشمس ، ثم أننا أشرفنا على جزيرة وطلعنا إلى البر وطبخنا شيئا نأكله فأكلنا ثم أقمنا يومين وسافرنا عشرين يوماً فاختلفت علينا المياه وعلى الريس استغرب الريس البحر فقلنا للناطور : انظر البحر بتأمل . فطلع على الصاري ثم نزل الناطور وقال للريس : رأيت عن يميني سمكاً على وجه الماء ونظرت إلى وسط البحر فرأيت سوادا من بعيد يلوح تارة أسود وتارة أبيض . فلما سمع الريس كلام الناطور ضرب الأرض بعمامته ونتف لحيته وقال للناس : ابشروا بهلاكنا جميعاً ولا يسلم منا أحد . وشرع يبكي وكذلك نحن الجميع نبكي على أنفسنا فقلت : أيها الريس أخبرنا بما رأى الناطور . فقال : يا سيدي أعلم أننا تهنا يوم جاءت علينا الرياح المختلفة ولم يهدأ الريح إلا بكرة النهار ثم أقمنا يومين فتهنا في البحر ولم نزل تائهين أحد عشر يوماً من تلك الليلة وليس لنا ريح يرجعنا إلى ما نحن قاصدون آخر النهار وفي غد نصل إلى جبل من حجر أسود يسمى حجر المغناطيس وتجرنا المياه غصباً إلى جهته ، فيتمزق المركب ويروح كل مسمار في المركب إلى الجبل ويلتصق به لأن الله وضع حجر مغناطيس سراً وهو أن جميع الحديد يذهب إليه وفي ذلك الجبل حديد كثير لا يعلمه إلا الله تعالى حتى أنه تكسر من قديم الزمان مراكب كثيرة بسبب ذلك الجبل ويلي ذلك البحر قبة من النحاس الأصفر معمودة على عشرة أعمدة وفوق القبة فارس على فرس من نحاس وفي يد ذلك الفارس رمح من النحاس ومعلق في صدر الفارس لوح من رصاص منقوش عليه أسماء وطلاسم فيها أيها الملك ما دام هذا الفارس راكباً على هذه الفرس تنكسر المراكب التي تفوت من تحته ويهلك ركابها جميعاً ويلتصق جميع الحديد الذي في المركب بالجبل وما الخلاص إلا إذا وقع هذا الفارس من فوق تلك الفرس . ثم إن الريس يا سيدتي بكى بكاء شديد فتحققنا أننا هالكون لا محالة وكل منا ودع صاحبه . فلما جاء الصباح قربنا من تلك الجبل وساقتنا المياه إليه غصباً ، فلما صارت المياه تحته انفتحت وفرت المسامير منها وكل حديد فيها نحو حجر المغناطيس ونحن دائرون حوله في آخر النهار وتمزقت المراكب فمنا من غرق ومنا من سلم ولكن أكثرنا غرق والذين سلموا لم يعلموا ببعضهم لأن تلك الأمواج واختلاف الأرياح أدهشتهم . وأما أنا يا سيدتي فنجاني الله تعالى لما أراده من مشقتي وعذابي وبلوتي ، فطلعت على لوح من الألواح فألقاه الريح والموج إلى جبل فأصبت طريقاً متطرفاً إلى أعلاه على هيئة السلالم منقورة في الجبل فسميت الله تعالى . رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
Titanic_Ahmed قام بنشر August 30, 2008 الكاتب Share قام بنشر August 30, 2008 الليلة السادسة عشرة >>>>>>>>>>>> تكمله حكاية الحمال مع البنات قالت شهرزاد : بلغني أيها الملك السعيد أن الصعلوك الثالث قال للصبية والجماعة مكتفون والعبيد واقفين بالسيوف على رؤوسهم : ثم أني سميت الله ودعوته وابتهلت إليه وحاولت الطلوع على الجبل وصرت أتمسك بالنقر التي فيه حتى أسكن الله الريح في تلك الساعة وأعانني على الطلوع فطلعت سالماً على الجبل وفرحت بسلامتي غاية الفرح ولم يكن لي دأب إلا القبة فدخلتها وصليت فيها ركعتين شكراً لله على سلامتي ثم إني نمت تحت القبة ، فسمعت قائلاً يقول : يا ابن خصيب إذا انتهيت من منامك ، فاحفر تحت رجليك قوساً من نحاس وثلاث نشابات من رصاص منقوشاً عليها طلاسم فخذ القوس والنشابات وارم للفارس الذي على القبة وارح الناس من هذا البلاء العظيم فإذا رميت الفارس يقع في البحر ويقع القوس من يدك فخذ القوس ، وادفنه في موضعه ، فإذا فعلت ذلك يطفو البحر ويعلو حتى يساوي الجبل ، ويطلع عليه زورق فيه شخص غير الذي رميته فيجيء إليك وفي يده مجذاف ، فاركب معه ولا تسم الله تعالى فإنه يحملك ويسافر بك مدة عشرة أيام إلى أن يوصلك إلى بلدك وهذا غنما يتم لك إن لم تسم الله . ثم استيقظت من نومي ، وقمت بنشاط وقصدت الماء ، كما قال الهاتف وضربت الفارس فرميته فوقع في البحر ووقع القوس من يدي فأخذت القوس ودفنته فهاج البحر وعلا حتى ساوى الجبل الذي أنا عليه فلم ألبث غير ساعة حتى رأيت زورقا في وسط البحر يقصدني فحمدت الله تعالى فلما وصل إلي الزورق وجدت فيه شخصاً من النحاس صدره لوح من الرصاص ، منقوش بأسماء وطلاسم ، فنزلت في الزورق وأنا ساكت لا أتكلم فحملني الشخص أول يوم والثاني والثالث إلى تمام عشرة أيام حتى جزائر السلامة ففرحت فرحاً عظيماً ومن شدة فرحي ذكرت الله وسميت وهللت وكبرت فلما فعلت ذلك قذفني من الزورق في البحر ثم رجع في البحر وكنت أعرف العوم فعمت ذلك اليوم إلى الليل حتى كلت سواعدي وتعبت أكتافي وصرت في الهلكات ثم تشهدت وأيقنت بالموت وهاج البحر من كثرة الرياح فجاءت موجة كالقلعة العظيمة ، فحملتني وقذفتني قذفة صرت بها فوق البر ، فطلعت البر وعصرت ثيابي ونشفتها على الأرض وبت . فلما أصبحت لبست ثيابي وقمت أنظر أين أمشي فوجدت غوطة فجئتها ودرت حولها فوجدت الموضع الذي فيه جزيرة صغيرة ، والبحر محيط بها ، فقلت في نفسي كلما أخلص من بلية أقع في أعظم منها فبينما أنا متفكر في أمري أتمنى الموت إذ نظرت مركباً فيها ناس ، فقمت وطلعت على شجرة وإذا بالمركب التصقت بالبر وطلع منها عشرة عبيد معهم مساحي فمشوا حتى وصلوا إلى وسط الجزيرة وحفروا في الأرض وكشفوا عن طابق فرفعوا الطابق وفتحوا بابه ، ثم عادوا إلى المركب ونقلوا منها خبزا ودقيقا وسمناً وعسلاً وأغناماً وجميع ما يحتاج إليه الساكن وصار العبيد مترددين بين المركب وباب الطابق وهم يحولون من المركب وينزلون في الطابق إلى أن نقلوا جميع ما في المركب . ثم بعد ذلك طلع العبيد ومعهم ثياب أحسن ما يكون وفي وسطهم ، شيخ كبير هرم قد عمر زمناً طويلاً وأضعفه الدهر ، حتى صار فانياً ويد ذلك الشيخ في يد صبي قد أفرغ في قالب الجمال وألبس حلة الكمال حتى أنه يضرب بحسنه الأمثال وهو كالقضيب الرطب يسحر كل قلب بجماله ويسلب كل لب بكماله فلم يزالوا يا سيدتي سائرين حتى أتوا إلى الطابق ونزلوا فيه ، وغابوا عن عيني . فلما توجهوا قمت ونزلت من فوق الشجرة ومشيت إلى موضع الردم ، ونبشت التراب ونقلته وصبرت نفسي حتى أزلت جميع التراب فانكشف الطابق فإذا هو خشب مقدار حجر الطاحون فرفعته فبان من تحته سلم معقود من حجر فتعجبت من ذلك ونزلت السلم حتى إنتهيت إلى آخره فوجدت شيئاً نظيفاً ووجدت بستاناً وثانياً إلى تمام تسعة وثلاثين وكل بستان أرى فيه ما يكل عنه الواصفون من أشجار وأنهار وأثمار وذخائر . ورأيت بابا فقلت في نفسي ما الذي في هذا المكان ، فلابد أن أفتحه وأنظر ما فيه ثم فتحته فوجدت فيه فرساً مسرجاً ملجماً مربوطاً ففككته وركبته فطار بي إلى حطني على سطح وأنزلني وضربني بذيله فأتلف عيني وفر مني فنزلت من فوق السطح فوجدت عشرة شبان عور فلما رأوني قالوا : لا مرحبا بك . فقلت لهم : أتقبلوني أجلس عندكم . فقالوا : والله لا تجلس عندنا . فخرجت من عندهم حزين القلب باكي العين ، وكتب الله لي السلامة حتى وصلت إلى بغداد فحلقت ذقني وصرت صعلوكاً فوجدت هذين الإثنين العورين فسلمت عليهما وقلت لهما : أنا غريب ، فقالا : ونحن غريبان فهذا سبب تلف عيني ، وحلق ذقني . فقالت له : أمسح على رأسك وروح . فقال : لا أروح حتى أسمع قصة هؤلاء . ثم أن الصبية التفتت إلى الخليفة وجعفر ومسرور وقالت لهم : أخبروني بخبركم . فتقدم جعفر وحكى لها الحكاية التي قالها للبوابة عند دخولهم فلما سمعت كلامه قالت : وهبت بعضكم لبعض . فخرجوا إلى أن صاروا في الزقاق فقال الخليفة للصعاليك : يا جماعة إلى أين تذهبون ؟ فقالوا : ما ندري أين نذهب . فقال لهم الخليفة : سيروا وبيتوا عندنا . وقال لجعفر : خذهم وأحضرهم لي غداً ، حتى ننظر ما يكون . فامتثل جعفر ما أمره به الخليفة . ثم أن الخليفة طلع إلى قصره ولم يجئه نوم في تلك الليلة فلما اصبح جلس على كرسي المملكة ودخلت عليه أرباب الدولة ، فالتفت إلى جعفر بعد أن طلعت أرباب الدولة وقال ائتني بالثلاث صبايا والكلبتين والصعاليك ، فنهض جعفر وأحضرهم بين يديه فأدخل الصبايا تحت الأسنار . والتفت لهن جعفر وقال لهن : قد عفونا عنكن لما أسلفتن من الإحسان إلينا ولم تعرفنا فها أنا أعرفكن وأنتن بين يدي الخامس من بني العباس هارون الرشيد ، فلا تخبرنه إلا حقاً . فلما سمع الصبايا كلام جعفر ، عن لسان أمير المؤمنين تقدمت الكبيرة وقالت : يا أمير المؤمنين أن لي حديثاً لو كتب بالإبر على آفاق البصر لكان عبرة لمن اعتبر . رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
Titanic_Ahmed قام بنشر August 30, 2008 الكاتب Share قام بنشر August 30, 2008 الليلة السابعة عشرة >>>>>>>>>>> تكمله حكاية الحمال مع البنات قالت شهرزاد : بلغني أيها الملك السعيد أن كبيرة الصبايا ، لما تقدمت بين يدي أمير المؤمنين وقالت : إن لي حديثاً عجيباً وهو أن هاتين الصبيتين أختاي من أبي من غير أمي فمات والدنا وخلف خمسة آلاف دينار وكنت أنا اصغرهن سناً فتجهزت أختاي وتزوجت كل واحدة برجل ومكثنا مدة ثم إن كل واحد من أزواجهما هيأ متجراً واخذ من زوجته ألف دينار وسافروا مع بعضهم ، وتركوني فغابوا أربع سنين وضيع زوجاهما المال ، وخسرا وتركاهما في بلاد الناس فجاءاني في هيئة الشحاتين . فلما رأيتهما ذهلت عنهما ولم أعرفهما ثم إني لما عرفتهما ، قلت لهما : ما هذا الحال ؟ فقالتا : يا أختاه إن الكلام لا يفيد الآن ، وقد جرى القلم بما حكم الله . فأرسلتهما إلى الحمام وألبست كل واحدة حلة وقلت لهما : يا أختي أنتما الكبيرة وأنا الصغيرة وأنتم عوض عن أبي وأمي والإرث الذي ناسي معكما قد جعل الله فيه البركة فكلا من زكاته وأحوالي جليلة وأنا وأنتما سواء . وأحسنت إليهما غاية الإحسان فمكثا عندي مدة سنة كاملة وصار لهما مال من مالي فقالتا لي : أن الزواج خير لنا وليس لنا صبر عنه . فقلت لهما : يا أختي لم تريا في الزواج خيراً فإن الرجل الجيد قليل في هذا الزمان وقد اخترتما الزواج . فلم يقبلا كلامي ، وتزوجا بغير رضاي فزوجتهما من مالي وسترتهما ومضتا مع زوجيهما فأقاما مدة يسيرة ولعب عليهما زوجهما وأخذ ما كان معهما وسافرا وتركاهما فجاءتا عندي وهما عاريتين واعتذرتا وقالتا : لا تؤاخذينا ، فأنت أصغر منا سناً وأكمل عقلاً ، وما بقينا نذكر الزواج أبداً . فقلت : مرحباً بكما يا أختي ما عندي أعز منكما . وقبلتهما وزدتهما إكراماً ولم تزل على هذه الحالة سنة كاملة فأردت أن أجهز لي مركباً إلى البصرة ، فجهزت مركباً كبيرة وحملت فيها البضائع والمتاجر وما أحتاج إليه في المركب وقلت : يا أختي هل لكما أن تقعدوا في المنزل حتى أسافر وأرجع أو تسافرا معي . فقالتا : نسافر معك فإنا لا نطيق فراقك . فأخذتهما وسافرنا ، وكنت قسمت مالي نصفين فأخذت النصف وخبأت النصف الثاني وقلت ربما يصيب المركب شيء ويكون في العمر مدة فإذا رجعنا نجد شيئاً ينفعنا . ولم نزل مسافرين أياماً وليالي ، فتاهت بنا المركب وغفل الريس عن الطريق ودخلت المركب بحراً غير البحر الذي نريده ولم نعلم بذلك مدة ، وطاب لنا الريح عشرة أيام فلاحت لنا مدينة على بعد فقلنا للريس : ما إسم هذه المدينة التي أشرفنا عليها ؟ فقال : والله لا أعلم ولا رأيتها قط ، ولا سلكت عمري هذا البحر ، ولكن جاء الأمر بسلامة فما بقي إلا أن تدخلوا هذه المدينة وتخرجوا بضائعكم فإن حصل لكم بيع فبيعوا . وغاب ساعة ، ثم جاءنا وقال قوموا إلى المدينة وتعجبوا من صنع الله في خلقه واستعيذوا من سخطه فطلعنا المدينة فوجدنا كل من فيها مسخوطاً حجارة سوداء ، فاندهشنا من ذلك ومشينا في الأسواق فوجدنا البضائع باقية والذهب والفضة باقيين على حالهما ففرحنا وقلنا لعل هذا يكون له أمر عجيب ، وتفرقنا في شوارع المدينة وكل واحد اشتغل عن رفيقه بما فيها من المال والقماش . وأما أنا فطلعت إلى القلعة فوجدتها محكمة فدخلت قصر الملك فوجدت فيه جميع الأواني من الذهب والفضة ثم رأيت الملك جالساً وعنده حجابه ونوابه ووزرائه وعليه من الملابس شيء يتحير فيه الفكر فلما قربت من الملك وجدته جالساً على كرسي مرصع بالدر والجواهر فيه كل درة تضيء كالنجمة وعليه حلة مزركشة بالذهب وواقفاً حوله خمسون مملوكاً بين أنواع الحرير ، وفي أيديهم السيوف مجردة . فلما نظرت لذلك دهش عقلي ثم مشيت ودخلت قاعة الحريم ، فوجدت في حيطانها ستائر من الحرير ووجدت الملكة عليها حلة مزركشة بالؤلؤ الرطب وعلى رأسها تاج مكلل بأنواع الجواهر وفي عنقها قلائد وعقوداً وجميع ما عليها من الملبوس والمصاغ باق على حاله وهي ممسوخة حجر أسود ووجدت باباً مفتوحاً فدخلته ووجدت فيه سلماً بسبع درج فصعدته ، فرأيت مكاناً مرخماً مفروشاً بالبسط المذهبة ووجدت فيه سرير من المرمر مرصعاً بالدر والجواهر ونظرت نوراً لامعاً في جهة فقصدتها فوجدت فيها جوهرة مضيئة قدر بيض النعامة على كرسي صغير ، وهي تضيء كالشمعة ، ونورها ساطع ومفروش على ذلك السرير من أنواع الحرير ما يجعل الناظر يحير . فلما نظرت إلى ذلك تعجبت ورأيت في ذلك المكان شموعاً موقدة فقلت في نفسي : لابد أن أحداً أوقد هذه الشموع ، ثم إني مشيت حتى دخلت موضعاً غيره وصرت أفتش في تلك الأماكن ونسيت نفسي مما أدهشني من التعجب من تلك الأحوال ، واستغرق فكري إلى أن دخل الليل فأردت الخروج فلم أعرف الباب وتهت عنه فعدت إلى الجهة التي فيها الشموع الموقدة وجلست على السرير وتغطيت بلحاف بعد أن قرأت شيئاً من القرآن وأوردت النوم فلم أستطع ولحقني القلق . فلما انتصف الليل سمعت تلاوة القرآن بصوت حسن رقيق فالتفت إلى مخدع فرأيت بابه مفتوحاً فدخلت الباب ونظرت المكان فإذا هو معبد وفيه قناديل معلقة موقدة وفيه سجادة مفروشة جالس عليها شاب حسن المنظر فتعجبت كيف هو سالم دون أهل المدينة فدخلت وسلمت عليه فرفع بصره ورد علي السلام فقلت له : أسألك بحق ما تتلوه من كتاب الله أن تجيبني عن سؤالي . فتبسم وقال : أخبريني عن سبب دخولك هذا المكان وأنا أخبرك بجواب ما تسألينه عنه . فأخبرته بخبري فتعجب من ذلك ، ثم إنني سألته عن خبر هذه المدينة فقال : أمهليني . ثم طبق المصحف وادخله كيس من الأطلس وأجلسني بجنبه فنظرت إليه فإذا هو كالبدر حسن الأوصاف لين الأعطاف بهي المنظر رشيق القد أسيل الخد زهي الجنات كأنه المقصود من هذه الأبيات : رصد النجم ليلـه فـبـدا لـه ........ قد المليح يمـيس فـي بـرديه وأمـد زحـل ســواد ذوائب ........ والمسك هادي الخال في خديه وغدت من المريخ حمرة خـده ........ والقوس يرمي النبل من جفنيه وعطارد أعطاه فـرط ذكـائه ........ وأبى السها نظر الوشـاة إلـيه فغدا المنجم حائراً مـمـا أرى ........ والأرض باس الأرض بين يديه فنظرت له نظرة أعقبتني ألف حسرة وأوقدت بقلبي كل جمرة فقلت له : يا مولاي أخبرني عما سألتك . فقال سمعاً وطاعة . أعلمي أن هذه المدينة مدينة والدي وجميع أهله وقومه وهو الملك الذي رأيته على الكرسي ممسوخاً حجراً وأما الملكة التي رأيتها فهي أمي وقد كانوا مجوساً يعبدون النار دون الملك الجبار وكانوا يقسمون بالنار والنور والظل والخرور والفلك الذي يدور وكان أبي ليس له ولد فرزق بي في آخر عمره فرباني حتى نشأت وقد سبقت لي السعادة ، وكان عندنا عجوز طاعنة في السن مسلمة تؤمن بالله ورسوله في الباطن وتوافق أهلي في الظاهر وكان أبي يعتقد فيها لما يرى عليها من الأمانة والعفة وكان يكرمها ويزيد في إكرامها وكان يعتقد أنها على دينه . فلما كبرت سلمني أبي إليها وقال : خذيه وربيه وعلميه أحوال ديننا وأحسني تربيته وقومي بخدمته . فأخذتني العجوز وعلمتني دين الإسلام من الطهارة والوضوء والصلاة وحفظتني القرآن فلما أتمت ذلك قالت لي : يا ولدي أكتم هذا الأمر عن أبيك ولا تعلمه به لئلا يقتلك . فكتمته عنه ولم أزل على هذا الحال مدة أيام قلائل وقد ماتت العجوز وزاد أهل المدينة في كفرهم وعتوهم وضلالهم . فبينما هم على ما هم فيه إذ سمعوا منادياً ينادي بأعلى صوته مثل الرعد القاصف سمعه القريب والبعيد يقول : يا أهل المدينة أرجعوا عن عبادة النار واعبدوا الملك الجبار . فحصل عند أهل المدينة فزع واجتمعوا عند أبي وهو ملك المدينة وقالوا له : ما هذا الصوت المزعج الذي سمعناه فاندهشنا من شدة هوله . فقال لهم لا يهولنكم الصوت ولا يردعنكم عن دينكم . فمالت قلوبهم إلى قول أبي ولم يزالوا مكبين على عبادة النار واستمروا على طغيانهم مدة سنة حتى جاء ميعاد ما سمعوا الصوت الأول فظهر لهم ثانياً فسمعوا ثلاث مرات على ثلاث سنين في كل سنة مرة فلم يزالوا عاكفين على ما هم عليه حتى نزل عليهم المقت والسخط من السماء بعد طلوع الفجر ، فمسخوا حجارة سودا وكذلك دوابهم وأنعامهم ولم يسلم من أهل هذه المدينة غيري ، ومن يوم ما جرت هذه الحادثة وأنا على هذه الحالة في صلاة وصيام وتلاوة قرآن وقد يئست من الوحدة وما عندي من يؤنسني . فعند ذلك قلت له : أيها الشاب هل لك أن تروح معي إلى مدينة بغداد وتنظر إلى العلماء وإلى الفقهاء فتزداد علماً وفقهاً وأكون أنا جاريتك مع إني سيدة قومي وحاكمة على رجال وخدم وغلمان ، وعندي مركب مشحون بالمتجر وقد رمتنا المقادير على هذه المدينة حتى كان ذلك سبباً في إطلاعنا على هذه الأمور وكان النصيب في إجتماعنا . ولم أزل أرغبه في التوجه حتى أجابني إليه . رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
Titanic_Ahmed قام بنشر August 30, 2008 الكاتب Share قام بنشر August 30, 2008 الليلة الثامنة عشرة >>>>>>>>>>> تكمله حكاية الحمال مع البنات قالت شهرزاد : بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية ما زالت تحس الشاب للتوجه معها حتى غلب عليها النوم فنامت تلك الليلة تحت رجليه وهي لا تصدق بما هي فيه من الفرح ، ثم قالت : فلما أصبح الصباح قمنا ودخلنا إلى الخزائن وأخذنا ما خف حمله وغلا ثمنه ونزلنا من القلعة إلى المدينة فقابلنا العبيد والريس وهم يفتشون علي فلما رأوني فرحوا بي وسألوني عن سبب غيابي فأخبرتهم بما رأيت وحكيت لهم قصة الشاب وسبب مسخ أهل هذه المدينة وما جرى لهم فتعجبوا من ذلك . فلما رأتني أختاي ومعي ذلك الشاب حسدتاني عليه وصارتا في غيظ وأضمرتا المكر لي . ثم نزلنا المركب وأنا بغاية الفرح وأكثر فرحي بصحبة هذا الشاب وأقمنا ننتظر الريح حتى طابت لنا الريح فنشرنا القلوع وسافرنا فقعدت أختاي عندنا وصارت تتحدثان فقالتا لي : يا أختاه ما تصنعين بهذا الشاب الحسن ؟ فقلت لهما : قصدي أن اتخذه بعلاً . ثم التفت إليه وأقبلت عليه وقلت : يا سيدي أنا أقصد أن أقول لك شيئاً فلا تخالفني فيه . فقال سمعاً وطاعة . ثم التفت إلى أختاي وقلت لهما : يكفيني هذا الشاب وجميع هذه الأموال لكما . فقالتا : نعم ما فعلت . ولكنهما أضمرتا لي الشر ، ولم نزل سائرين مع اعتدال الريح حتى خرجنا من بحر الخوف ودخلنا بحر الأمان وسافرنا أياما قلائل إلى أن قربنا من مدينة البصرة ولاحت لنا أبنيتها ، فأدركنا المساء فلما أخذنا النوم قامت أختاي وحملتاني أنا والغلام ورمتانا في البحر ، فأما الشاب فإنه كان لا يحسن العوم فغرق وكتبه الله من الشهداء . وأما أنا فكنت من السالمين ، فلما سقطت في البحر رزقني الله بقطعة من خشب فركبتها وضربتني الأمواج إلى أن رمتني على ساحل جزيرة فلم أزل أمشي في الجزيرة باقي ليلتي فلما أصبح الصباح رأيت طريقاً فيه أثر مشي على قدر ابن آدم وتلك الطريق متصلة من الجزيرة إلى البر وقد طلعت الشمس فنشفت ثيابي فيها وسرت في الطريق ولم أزل سائرة إلى أن قربت من البر الذي فيه المدينة وإذا بحية تقصدني وخلفها ثعبان يريد هلاكها وقد تدلى لسانها من شدة التعب . فأخذتني الشفقة عليها فقعدت إلى حجر وألقيته على رأس الثعبان فمات من وقته فنشرت الحية جناحين وصارت في الجو فتعجبت من ذلك وقد تعبت فنمت في موضعي ساعة ، فلما أفقت وجدت تحت رجلي جارية وهي تكبس رجلي فجلست واستحيت منها وقلت لها : من أنت وما شانك ؟ فقالت : ما أسرع ما نسيتني أنت التي فعلت معي الجميل وقتلت عدوي ، فإني الحية التي خلصتيني من الثعبان جني وهو عدوي وما نجاني منه إلا أنت ، فلما نجيتيني منه طرت في الريح وذهبت إلى المركب التي رماك منها أختاك ونقلت جميع ما فيها إلى بيتك وأحرقتها وأما أختاك فإني سحرتهما كلبتين من الكلاب السود ، فإني عرفت جميع ما جرى لك معهما ، وأما الشاب فإنه غرق . ثم حمتلني أنا والكلبتين والقتنا فوق سطح داري فرأيت جميع ما كان في المركب من الأموال في وسط بيتي ولم يضع منه شيء ، ثم أن الحية قالت لي : وحق النقش الذي على خاتم سليمان إذا لم تضربي كل واحدة منها في كل يوم ثلاثمائة سوط لآتين أجعلك مثلهما . فقلت : سمعاً وطاعة . فلم أزل يا أمير المؤمنين أضربها ذلك الضرب وأشفق عليهما . فتعجب الخليفة من ذلك ثم قال للصبية الثانية : وأنت ما سبب الضرب الذي على جسدك ؟ فقالت : يا أمير المؤمنين إني كان لي والد مات وخلف مالاً كثيراً ، فأقمت بعده مدة يسيرة وتزوجت برجل اسعد أهل زمانه فأقمت معه سنة كاملة ومات فورثت منه ثمانين ألف دينار ، فبينما أنا جالسة في يوم من الأيام إذ دخلت علي عجوز بوجه مسقوط وحاجب ممغوط وعيونها مفجرة وأسنانها مكسرة ومخاطها سائل وعنقها مائل كما قال فيها الشاعر : عجوز النحس إبليس يراها ........ تعلمه الخديعة من سكوت تقود من السياسة ألف بغل ........ إذا انفردوا بخيط العنكبوت فلما دخلت العجوز علمت علي وقالت : أن عندي بنتا يتيمة والليلة عملت عرسها وأنا قصدي لك الأجر والثواب فاحضري عرسها فأنها مكسورة الخاطر ليس لها إلا الله تعالى . ثم بكت وقبلت رجلي فأخذتني الرحمة والرأفة فقلت : سمعاً وطاعة . فقالت : جهزي نفسك فإني وقت العشاء أجي وآخذك . ثم قبلت يدي وذهبت فقمت وهيأت نفسي وجهزت حالي وإذا بالعجوز قد أقبلت وقالت : يا سيدتي أن سيدات البلد قد حضرن وأخبرتهن بحضورك ففرحن وهن في انتظارك . فقمت وتهيأت وأخذت جواري معي وسرت حتى أتينا إلى زقاق هب فيه النسيم وراق فرأينا بوابة مقنطرة قبة من الرخام مشيدة البنيان وفي داخلها قصر قد قام من التراب وتعلق بالسحاب فلما وصلنا إلى الباب طرقته العجوز ففتح لنا ودخلنا فوجدنا دهليزاً مفروشاً بالبسط معلقاً فيه قناديل موقدة وشموع مضيئة وفيه الجواهر والمعادن معلقة فمشينا في الدهليز إلى أن دخلنا القاعة فلم يوجد لها نظير مفروشة بالفراش الحرير معلقاً فيها القناديل الموقدة والشموع المضيئة وفي صدر القاعة سرير من المرمر مرصع بالدر والجوهر وعليه ناموسية من الأطلس وإذا بصبية خرجت من الناموسية مثل القمر فقالت لي : مرحباً وأهلاً وسهلاً يا أختي آنستيني وجبرت خاطري وأنشدت تقول : لو تعلم الدار من زارها فرحـت ........ واستبشرت ثم باست موضع القدم وأعلنت بلسـان الـحـال قـائلة ........ أهلاً وسهلاً بأهل الجود والكرم ثم جلست وقالت : يا أختي أن لي أخاً وقد رآك في الأفراح وهو شاب احسن مني وقد أحبك قلبه حباً شديداً وأعطى هذه العجوز دراهم حتى أتتك وعملت الحيلة لأجل اجتماعه بك ويريد أخي أن يتزوجك بسنة الله ورسوله وما في الحلال من عيب . فلما سمعت كلامها ورأيت نفسي قد انحجزت في الدار فقلت للصبية : سمعاً وطاعة . ففرحت وصفقت بيدها وفتحت باباً ، فخرج منه شاب مثل القمر كما قال الشاعر : قد زاد حسناً تبارك الـلـه ........ جل الذي صاغـه وسـواه قد حاز كل الجمال منفـرداً ........ كل الورى في جماله تهواه قد كتب الحسن فوق وجنتيه ........ أشهد أن لا مليح سـواه فلما نظرت إليه مال قلبي له ثم جاء وجلس وإذا بالقاضي قد دخل ومعه أربعة شهود فسلموا وجلسوا ، ثم أنهم كتبوا كتابي على ذلك الشاب وانصرفوا فالتفت الشاب إلي وقال : ليلتنا مباركة . ثم قال : يا سيدتي أني شارط عليك شرطاً . فقلت : يا سيدي وما الشرط ؟ فقام وأحضر لي مصحفاً وقال : احلفي لي أنك لا تختاري أحداً غيري ولا تميلي إليه . فحلفت له على ذلك ففرح فرحاً شديداً وعانقني فأخذت محبته بمجامح قلبي وقدموا لنا السماط فأكلنا وشربنا حتى اكتفينا فدخل علينا الليل . فأخذني ونام معي على الفراش وبتنا في عناق إلى الصباح ، ولم نزل على هذه الحالة مدة شهر ، ونحن في هناء وسرور وبعد الشهر استأذنته في أن أسير إلى السوق وأشتري بعض قماش فأذن لي في الرواح ، فلبست ثيابي وأخذت العجوز معي ونزلت في السوق فجلست على دكان تاجر تعرفه العجوز وقالت لي : هذا ولد صغير مات أبوه وخلف مالاً كثيراً . ثم قالت له : هات أعز ما عندك من القماش لهذه الصبية . فقال لها : سمعاً وطاعة . فصارت العجوز تثني عليه فقلت : ما لنا حاجة بثنائك عليه لأن مرادنا أن نأخذ حاجتنا منه ونعود إلى منزلنا . فأخرج لنا ما طلبناه وأعطيناه الدراهم فأبى أن يأخذ شيئاً وقال : هذه ضيافتكما اليوم عندي . فقلت للعجوز : إن لم يأخذ الدراهم أعطه قماشه . فقال : والله لا آخذ شيئا والجميع هدية من عندي في قبلة واحدة فإنها عندي أحسن من ما في دكاني . فقالت العجوز : ما الذي يفيدك من القبلة ؟ ثم قالت : يا بنتي قد سمعت ما قال هذا الشاب وما يصيبك شيء إن أخذ منك قبلة وتأخذين ما تطلبينه . فقلت لها : أما تعرفين أني حالفة . فقالت : دعيه يقبلك وأنت ساكتة ولا عليك شيء وتأخذين هذه الدراهم . ولازالت تحسن لي الأمر حتى أدخلت رأسي في الجراب ورضيت بذلك ثم إني غطيت عيني وداريت بطرف إزاري من الناس وحط فمه تحت إزاري على خدي فما أن قبلني حتى عضني عضة قوية ، حتى قطع اللحم من خدي فغشي علي ثم آخذتني العجوز في حضنها . فلما أفقت وجدت الدكان مقفولة والعجوز تظهر لي الحزن ، وتقول : ما دفع الله كان أعظم . ثم قالت لي : قومي بنا إلى البيت وأعملي نفسك ضعيفة وأنا أجيء إليك بدواء تداوين به هذه العضة فتبرئين سريعاً . فبعد ساعة قمت من مكاني وأنا في غاية الفكر واشتداد الخوف ، فمشيت حتى وصلت إلى البيت وأظهرت حالة المرض وإذا بزوجي داخل وقال : ما الذي أصابك يا سيدتي في هذا الخروج ؟ فقلت له : ما أنا طيبة . فنظر إلي وقال لي : ما هذا الجرح الذي بخدك وهو في المكان الناعم ؟ فقلت : لما استأذنتك وخرجت في هذا النهار لأشتري القماش زاحمني جمل حامل حطباً فشرط نقابي وجرح خدي كما ترى فإن الطريق ضيق في هذه المدينة . فقال : غداً أروح للحاكم وأشكوا له فيشنق كل حطاب في المدينة . فقلت : بالله عليك لا تتحمل خطيئة أحد فإني ركبت حماراً نفر بي فوقعت على الأرض فصادفني عود فخدش خدي وجرحني . فقال : غدا أطلع لجعفر البرمكي وأحكي له الحكاية فيقتل كل حَمار في هذه المدينة . فقلت : هل أنت تقتل الناس كلهم بسببي وهذا الذي جرى لي بقضاء الله وقدره . فقال : لابد من ذلك . وشدد علي ونهض قائماً وصاح صيحة عظيمة فانفتح الباب وطلع منه سبعة عبيد سود فسحبوني من فراشي ورموني في وسط الدار ثم أمر عبداً منهم أن يمسكني من أكتافي ، ويجلس على رأسي وأمر الثاني أن يجلس على ركبتي ويمسك رجلي وجاء الثالث وفي يده سيف فقال : يا سيدي أضربها بالسيف فأقسمها نصفين وكل واحد يأخذ قطعة يرميها في بحر الدجلة فيأكلها السمك وهذا جزاء من يخون الإيمان المودة وأنشد هذا الشعر : إذا كان لي فيمن أحب مـشـارك ........ منعت الهوى روحي ليتلفني وجدي وقلت لها يا نفس موتـي كـريهة ........ فلا خير في حب يكون مع الضـد ثم قال للعبد : اضربها يا سعد . فجرد السيف وقال : اذكري الشهادة وتذكري ما كان لك من الحوائج واوصي . ثم رفعت رأسي ونظرت إلى حالي وكيف صرت في الذل بعد العز فجرت عبرتي وبكيت أنشدت هذه الأبيات : أقمتم فؤادي في الهوى وقعدتـم ........ وأسهرتم جفني القريح ونمـتـم ومنزلكم بين الفؤاد ونـاظـري ........ فلا القلب يسلوكم ولا الدمع يكتم وعاهدتموني أن تقيموا على الوفا ........ فلما تملكتم فـؤادي غـدرتـم ولم ترحموا وجدي بكم وتلهفـي ........ أأنتم صروف الحادثات أمنـتـم سألتكم بالله أن مت فاكتبـوا ........ على لوح قبري أن هذا متيم لعل شجياً عارفاً لوعة الهوى ........ يمر على قبر المحب فيرحم فلما فرغت من شعري بكيت فلما سمع الشعر ونظر إلى بكائي أزداد غيظاً على غيظه وأنشد هذين البيتين : تركت حبيب القلب لاعن ملانة ........ ولكن جنى ذنباً يؤدي إلى الترك إذا ارى شريكاً في المحبة بيننـا ........ وإيمان قلبي لا يميل إلى الشرك فلما فرغ من شعره بكيت واستعطفته ، وإذا بالعجوز قد دخلت ورمت نفسها على أقدام الشاب وقبلتها وقالت : يا ولدي بحق تربيتي لك تعفو عن هذه الصبية فإنها ما فعلت ذنباً يوجب ذلك وأنت شاب صغير فأخاف عليك من دعائها . ثم بكت العجوز ، ولم تزل تلح عليه حتى قال : عفوت عنها ، ولكن لابد لي أن أعمل فيها أثراً يظهر عليها بقية عمرها . ثم أمر العبيد فجذبوني من ثيابي وأحضر قضيبا من سفرجل ونزل به على جسدي بالضرب ، ولم يزل يضربني ذلك الشاب على ظهري وجنبي حتى غبت عن الدنيا من شدة الضرب وقد يئست من حياتي ثم أمر العبيد أنه إذا دخل الليل يحملونني ويأخذون العجوز معهم ويرمونني في بيتي الذي كنت فيه سابقاً . ففعلوا ما أمرهم به سيدهم ورموني في بيتي ، فتعاهدت نفسي وتداويت فلما شفيت بقيت أضلاعي كأنها مضروبة بالمقارع ، كما ترى فاستمريت في مداواة نفسي أربعة أشهر حتى شفيت ، ثم جئت إلى الدار التي جرت لي فيها ذلك الأمر فوجدتها خربة ووجدت الزقاق مهد وما من أوله إلى آخره ووجدت في موقع الدار كيماً ولم أعلم سبب ذلك فجئت إلى أختي هذه التي من أبي فوجدت عندها هاتين الكلبتين فسلمت عليها وأخبرتها بخبري وبجميع ما جرى لي . فقالت : من ذا الذي من نكبات الزمان سلم ، الحمد لله الذي جعل الأمر بسلامة . ثم أخبرتني بخبرها وبجميع ما جرى لها من أختيها وقعدت أنا وهي لا نذكر خبر الزواج على ألسنتنا ثم صاحبتنا هذه الصبية الدلالة في كل يوم تخرج فتشتري لنا ما نحتاج إليه من المصالح على جري علاتها ، فوقع لنا ما وقع من مجيء الجمال والصعاليك ومن مجيئكم في صفة تجار فلما صرنا في هذا اليوم ولم نشعر إلا نحن بين يديك وهذه حكايتنا . فتعجب الخليفة من هذه الحكاية وجعلها تاريخها مثبتا في خزانته . رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
Titanic_Ahmed قام بنشر August 30, 2008 الكاتب Share قام بنشر August 30, 2008 الليلة التاسعة عشرة >>>>>>>>>>> تكمله حكاية الحمال مع البنات قالت شهرزاد : بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة أمر أن تكتب هذه القصة في الدواوين ويجعلوها في خزانة الملك ثم أنه قال للصبية الأولى : هل عندك خبر بالعفريتة التي سحرت أختيك . قالت : يا أمير المؤمنين إنها أعطتني شيئاً من شعرها ، وقالت إن أردت حضوري فاحرقي من هذا الشعر شيئاً فأحضر إليك عاجلاً ولو كنت خلف جبل قاف . فقال الخليفة : أحضري لي الشعر . فأحضرته الصبية فأخذه الخليفة ، وأحرق منه شيئاً فلما فاحت منه رائحة إهتز القصر وسمعوا دوياً وصلصلة وإذا بالجنية حضرت وكانت مسلمة فقالت : السلام عليكم يا خليفة الله . فقال : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . فقالت : أعلم أن هذه الصبية صنعت معي جميلاً ولا أقدر أن أكافئها عليه فهي أنقذتني من الموت وقتلت عدوي ورأيت ما فعله معها أختاها فما رأيت إلا أني أنتقم منهما فسحرتهما كلبتين بعد أن أردت قتلهما فخشيت أن يصعب عليها ، وإن أردت خلاصهما ، يا أمير المؤمنين أخلصهما كرامة لك ولها فإني من المسلمين . فقال لها : خلصيهما وبعد ذلك نشرع في أمر الصبية المضروبة ، وتفحص عن حالها فإذا ظهر لي صدقها أخذت ثأرها ممن ظلمها . فقالت العفريتة : يا أمير المؤمنين أنا أدلك على ما فعل بهذه الصبية هذا الفعل وظلمها وأخذ مالها وهو أقرب الناس إليك . ثم إن العفريتة أخذت طاسة من الماء وعزمت عليها ، ورشت وجه الكلبتين ، وقالت لهما : عودا إلى صورتكما الأولى البشرية . فعادتا صبيتين سبحان خالقهما ، ثم قالت : يا أمير المؤمنين أن الذي ضرب الصبية ، ولدك الأمين فإنه كان يسمع بحسنها وجمالها ، وحكت له العفريتة جميع ما جرى للصبية فتعجب وقال : الحمد لله خلاص هاتين الكلبتين على يدي . ثم أن الخليفة أحضر ولده الأمين بين يديه وسأله عن قصة الصبية الأولى فأخبره على وجه الحق فأحضره الخليفة القضاة والشهود والصعاليك الثلاثة ، وأحضر الصبية الأولى وأختيها اللتين كانتا مسحورتين في صورة كلبتين ، وزوج الثلاثة للثلاثة الصعاليك الذين أخبروه أنهم كانوا ملوكاً وعملهم حجاباً عنده وأعطاهم ما يحتاجون إليه وأنزلهم في قصر بغداد ورد الصبية المضروبة لولده الأمين وأعطاها مالاً كثيراً وأمر أن تبنى الدار أحسن ما كانت ثم أن الخليفة تزوج بالدلالة ورقد في تلك الليلة معها . فلما أصبح أفرد لها بيتاً وجواري يخدمنها ورتب لها راتباً ، وشيد لها قصراً ثم قال لجعفر ليلة من الليالي : أني أريد أن ننزل في هذه الليلة إلى المدينة ونسأل عن أحوال الحكام والمتولين وكل من شكا منه أحد عزلناه . فقال جعفر ومسرور : نعم . وساروا في المدينة ومشوا في الأسواق مروا بزقاق ، فرأوا شيخاً كبيراً على رأسه شبكة وقفة وفي يده عصا وهو ماش على مهله ، ثم إن الخليفة تقدم إليه وقال له : يا شيخ ما حرفتك ؟ قال : يا سيدي صياد وعندي عائلة وخرجت من بيتي من نصف النهار إلى هذا الوقت ولم يقسم الله لي شيئاً أقوت به عيالي وقد كرهت نفسي وتمنيت الموت . فقال له الخليفة : هل لك أن ترجع معنا إلى البحر وتقف على شاطئ الدجلة وترمي شبكتك على بختي وكل ما طلع اشتريته منك بمائة دينار . ففرح الرجل لما سمع هذا الكلام وقال : على رأسي أرجع معكم . ثم أن الصياد رجع إلى البحر ورمى شبكته وصبر عليها ، ثم أنه جذب الخيط وجر الشبكة إليه فطلع في الشبكة صندوق مقفول ثقيل الوزن فلما نظر الخليفة وجده ثقيلاً فأعطى الصياد مائة دينار وانصرف وحمل الصندوق مسرور هو وجعفر وطلعا به مع الخليفة إلى القصر وأوقد الشموع والصندوق بين يدي الخليفة فتقدم جعفر ومسرور وكسروا الصندوق فوجدوا فيه قفة خوص محيطة بصوت أحمر فقطعوا الخياطة فرأوا فيها قطعة بساط فرفعوها فوجدوا تحتها أزار فرفعوا الأزار فوجدوا تحتها صبية كأنها سبيكة مقتولة ومقطوعة . فلما نظرها الخليفة جرت دموعه على خده والتفت إلى جعفر وقال : يا كلب الوزراء أتقتل القتلى في زمني ويرمون في البحر ويصيرون متعلقين بذمتي والله لابد أن أقتص لهذه الصبية ممن قتلها وأقتله . وقال لجعفر : وحق اتصال نسبي بالخلفاء من بني العباس إن لم تأتيني بالذي قتل هذه لأنصفها منه لأصلبنك على باب قصري أنت وأربعين من بني عمك . واغتاظ الخليفة ، فقال جعفر : أمهلني ثلاثة أيام قال أمهلتك . ثم خرج جعفر من بين يديه ومشى في المدينة وهو حزين وقال في نفسه : من أعرف من قتل هذه الصبية حتى أحضره للخليفة وإن أحضرت له غيره يصير معلقاً بذمتي ولا أدري ما أصنع . ثم إن جعفر جلس في بيته ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع أرسل له الخليفة يطلبه فلما تمثل بين يديه قال له : أين قاتل الصبية ؟ قال جعفر : يا أمير المؤمنين أنا لا أعلم الغيب حتى أعرف قاتلها . فاغتاظ الخليفة وأمر بصلبه على باب قصره وأمر منادياً ينادي في شوارع بغداد من أراد الفرجة على صلب جعفر البرمكي وزير الخليفة وصلب أولاد عمه على باب قصر الخليفة ليخرج ليتفرج . فخرج الناس من جميع الحارات ليتفرجوا على صلب جعفر وصلب أولاد عمه ولم يعلموا سبب ذلك ثم أمر بنصب الخشب فنصبوه وأوقفهم تحته لأجل الصلب وصاروا ينتظرون الإذن من الخليفة وصار الخلق يتباكون على جعفر وعلى أولاد عمه . فبينما هم كذلك وإذا بشاب حسن نقي الأثواب يمشي بين الناس مسرعاً إلى أن وقف بين يدي الوزير وقال له : سلامتك من هذه الوقفة يا سيد الأمراء وكهف الفقراء ، أنا الذي قتلت القتيلة التي وجدتموها في الصندوق ، فاقتلني فيها واقتص مني . فلما سمع جعفر كلام الشاب وما أبداه من الخطاب فرح بخلاص نفسه وحزن على الشاب . فبينما هم في الكلام وإذا بشيخ كبير يفسح الناس ويمشي بينهم بسرعة إلى أن وصل إلى جعفر والشاب فسلم عليهما ثم قال : أيها الوزير لا تصدق كلام هذا الشاب فإنه ما قتل هذه الصبية إلا أنا فاقتص لها مني . فقال الشاب : أيها الوزير ، إن هذا الشيخ كبير خرفان لا يدري ما يقول وأنا الذي قتلتها فاقتص مني . فقال الشيخ : يا ولدي أنت صغير تشتهي الدنيا وأنا كبير شبعت من الدنيا وأنا أفديك وأفدي الوزير وبني عمه وما قتل الصبية إلا أنا ، فبالله عليك أن تعجل بالإقتصاص مني . فلما نظر إلى ذلك الأمر تعجب منه وأخذ الشاب والشيخ وطلع بهما عند الخليفة وقال : يا أمير المؤمنين قد حضر قاتل الصبية . فقال الخليفة : أين هو ؟ فقال : إن هذا الشاب يقول أنا القاتل وهذا الشيخ يكذبه ويقول لا بل أنا القاتل . فنظر الخليفة إلى الشيخ والشاب وقال : من منكما قتل هذه الصبية . فقال الشاب : ما قتلتها إلا أنا . وقال الشيخ : ما قتلها إلا أنا . فقال الخليفة لجعفر : خذ الإثنين واصلبهما . فقال جعفر : إذا كان القاتل واحد فقتل الثاني ظلم . فقال الشاب : وحق من رفع السماء وبسط الأرض أني أنا الذي قتلت الصبية وهذه أمارة قتلها . ووصف ما وجده الخليفة فتحقق عند الخليفة أن الشاب هو الذي قتل الصبية فتعجب الخليفة وقال : وما سبب إقرارك بالقتل من غير ضرب وقولك اقتصوا لها مني . فقال الشاب : أعلم يا أمير المؤمنين أن هذه الصبية زوجتي وبنت عمي وهذا الشيخ أبوها وهو عمي وتزوجت بها وهي بكر فرزقني الله منها ثلاثة أولاد ذكور وكانت تحبني وتخدمني ولم أر عليها شيئاً ، فلما كان أول هذا الشهر مرضت مرضاً شديداً فأحضرت لها الأطباء حتى حصلت لها العافية فأردت أن أدخلها الحمام فقالت : إني أريد شيئاً قبل دخول الحمام لأني أشتهيه . فقلت لها : وما هو ؟ فقالت : إني أشتهي تفاحة أشمها وأعض منها عضة . فطلعت من ساعتي إلى المدينة وفتشت على التفاح ولو كانت الواحدة بدينار فلم أجده فبت تلك الليلة وأنا متفكر فلما أصبح الصباح خرجت من بيتي ودرت على البساتين واحد واحد فلم أجده فيها فصادفني خولي كبير فسألته عن التفاح فقال : يا ولدي هذا شيء قل أن يوجد لأنه معدوم ولا يوجد إلا في بستان أمير المؤمنين الذي في البصرة وهو عند خولي يدخره للخليفة . فجئت إلى زوجتي وقد حملتني محبتي إياها على أن هيأت نفسي وسافرت يوماً ليلاً ونهاراً في الذهاب والإياب وجئت لها بثلاث تفاحات إشتريتها من خولي البصرة بثلاثة دنانير ، ثم إني دخلت وناولتها إياها فلم تفرح بها بل تركتها في جانبها وكان مرض الحمى قد اشتد بها ، ولم تزل في ضعفها إلى أن مضى لها عشرة أيام وبعد ذلك عوفيت فخرجت من البيت وذهبت إلى دكاني وجلست في بيعي وشرائي . فبينما أنا جالس في وسط النهار وإذا بعبد أسود مر علي وفي يده تفاحة يلعب بها فقلت له : من أين هذه التفاحة حتى آخذ مثلها ؟ فضحك وقال : أخذتها من حبيبتي وأنا كنت غائباً وجئت فوجدتها ضعيفة وعندها ثلاث تفاحات فقالت إن زوجي الديوث سافر من شأنها إلى البصرة فاشتراها بثلاثة دنانير فأخذت منها هذه التفاحة . فلما سمعت كلام العبد يا أمير المؤمنين اسودت الدنيا في وجهي وقفلت دكاني وجئت إلى البيت وأنا فاقد العقل من شدة الغيظ فلم أجد التفاحة الثالثة فقلت لها : أين التفاحة الثالثة ؟ فقالت : لا أدري ولا أعرف أين ذهبت . فتحققت قول العبد وقمت وأخذت سكيناً وركبت على صدرها ونحرتها بالسكين وقطعت رأسها وأعضائها ووضعتها في القفة بسرعة وغطيتها بالإزار ووضعت عليها شقة بساط وأنزلتها في الصندوق وقفلته وحملتها على بغلتي ورميتها في الدجلة بيدي . فبالله عليك يا أمير المؤمنين أن تعجل بقتلي قصاصاً لها فإني خائف من مطالبتها يوم القيامة فإني لما رميتها في بحر الدجلة ولم يعلم بها أحد رجعت إلى البيت فوجدت ولدي الكبير يبكي ولم يكن له علم بما فعلت في أمه . فقلت له : ما يبكيك ؟ فقال : إني أخذت تفاحة من التفاح الذي عند أمي ونزلت بها إلى الزقاق ألعب مع إخوتي وإذا بعبد طويل خطفها مني وقال لي : من أين جاءتك هذه ؟ فقلت له : هذه سافر أبي وجاء بها من البصرة من أجل أمي وهي ضعيفة واشترى ثلاث تفاحات بثلاثة دنانير فأخذها مني وضربني وراح بها فخفت من أمي أن تضربني من شأن التفاحة . فلما سمعت كلام الولد علمت أن العبد هو الذي افترى الكلام الكذب على بنت عمي وتحققت أنها قتلت ظلماً ثم إني بكيت بكاءً شديداً وإذا بهذا الشيخ وهو عمي والدها قد أقبل فأخبرته بما كان فجلس بجانبي وبكى ولم نزل نبكي إلى نصف الليل وأقمنا العزاء خمسة أيام ولم نزل إلى هذا اليوم ونحن نتأسف على قتلها ، فبحرمة أجدادك أن تعجل بقتلي وتقتص مني . فلما سمع الخليفة كلام الشاب تعجب وقال : والله لا أقتل إلا العبد الخبيث . رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
Titanic_Ahmed قام بنشر August 30, 2008 الكاتب Share قام بنشر August 30, 2008 الليلة العشرون >>>>>>>> تكملة حكاية الحمال مع البنات وبداية حكاية الوزير نور الدين مع شمس الدين أخيه قالت شهرزاد : بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة اقسم أنه لا يقتل إلا العبد لأن الشاب معذور ، ثم أن الخليفة التفت إلى جعفر وقال له : أحضر لي هذا العبد الخبيث الذي كان سبباً في هذه القضية وإن لم تحضره فأنت تقتل عوضاً عنه . فنزل يبكي ويقول : من أين أحضره ولا كل مرة تسلم الجرة وليس لي في هذا الأمر حيلة والذي سلمني في الأول يسلمني في الثاني ، والله ما بقيت أخرج من بيتي ثلاثة أيام والحق سبحانه يفعل ما يشاء . ثم أقام في بيته ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع أحضر القاضي وأوصى وودع أولاده وبكى وإذا برسول الخليفة أتى إليه وقال له : أن أمير المؤمنين في أشد ما يكون من الغضب وأرسلني إليك وحلف أنه لا يمر هذا النهار إلا وأنت مقتول إن لم تحضر العبد . فلما سمع جعفر هذا الكلام بكى هو وأولاده فلما فرغ من التوديع تقدم إلى بنته الصغيرة ليودعها وكان يحبها أكثر من أولاده جميعاً فضمها إلى صدره وبكى على فراقها فوجد في جيبها شيء مكببا فقال لها : ما الذي في جيبك ؟ فقالت له : يا أبت تفاحة جاء بها عبدنا ريحان ولها معي أربعة أيام وما أعطاها لي حتى أخذ مني دينارين . فلما سمع جعفر بذكر العبد والتفاحة فرح وقال : يا قريب الفرج . ثم إنه أمر بإحضار العبد فحضر فقال له : من أين هذه التفاحة ؟ فقال : يا سيدي من مدة خمسة أيام كنت ماشياً فدخلت في بعض أزقة المدينة فنظرت صغار يلعبون ومع واحد منهم هذه التفاحة فخطفتها منه وضربته فبكى وقال هذه لأمي وهي مريضة واشتهت على أبي تفاحا فسافر إلى البصرة وجاء لها بثلاث تفاحات بثلاث دنانير فأخذت هذه ألعب بها ثم بكى فلم ألتفت إليه وأخذتها وجئت بها إلى هنا فأخذتها سيدتي الصغيرة بدينارين . فلما سمع جعفر هذه القصة تعجب لكون الفتنة وقتل الصبية من عبده وأمر بسجن العبد وفرح بخلاص نفسه ثم أنشد هذين البيتين : ومن كانت دريته بعـبـد ........ فما للنفس تجعله فداهـا فإنك واجد خدماً كـثـيراً ........ ونفسك لم تجد نفساً سواها ثم أنه قبض على العبد وطلع به إلى الخليفة فأمر أن تؤرخ هذه الحكاية وتجعل سيراً بين الناس فقال له جعفر : لا تعجب يا أمير المؤمنين من هذه القصة فما هي بأعجب من حديث نور الدين مع شمس الدين أخيه . فقال الخليفة : وأي حكاية أعجب من هذه الحكاية ؟ فقال جعفر : يا أمير المؤمنين لا أحدثك إلا بشرط أن تعتق عبدي من القتل . فقال : قد وهبت لك دمه . فقال جعفر : أعلم يا أمير المؤمنين أنه كان في مصر سلطان صاحب عدل وإحسان له وزير عاقل خبير له علم بالأمور والتدبير وكان شيخاً كبيراً وله ولدان كأنهما قمران وكان الكبير شمس الدين والصغير نور الدين وكان الصغير أميز من الكبير في الحسن والجمال وليس في زمانه أحسن منه حتى أنه شاع ذكره في البلاد فكان بعض أهلها يسافر من بلاده إلى بلده لأجل رؤية جماله ، فأتفق أن والدهما مات فحزن عليه السلطان وأقبل على الولدين وقربهما وخلع عليهما وقال لهما : أنتما في مرتبة أبيكما . ففرح وقبلا الأرض بين يديه وعملا العزاء لأبيهما شهراً كاملاً ودخلا في الوزارة وكل منهما يتولاها جمعة وإذا أراد السلطان السفر يسافر مع واحد منهما ، فاتفق في ليلة من الليالي أن السلطان كان عازماً على السفر في الصباح وكانت النوبة للكبير . فبينما الأخوان يتحدثان في تلك الليلة ، إذ قال الكبير : يا أخي قصدي أن أتزوج أنا وأنت في ليلة واحدة . فقال الصغير : إفعل يا أخي ما تريد فإني موافقك على ما تقول واتفقا على ذلك . ثم أن الكبير قال لأخيه : إن قدر الله وخطبنا بنتين ودخلنا في ليلة واحدة ووضعنا في يوم واحد وأراد الله وجاءت زوجتك بغلام وجاءت زوجتي ببنت نزوجهما لبعضهما لأنهما أولاد عم . فقال نور الدين : يا أخي ما تأخذ من ولدي في مهر بنتك . قال : آخذ من ولدك في مهر بنتي ثلاثة آلاف دينار وثلاثة بساتين وثلاث ضياع فإن عقد الشاب عقده بغير هذا لا يصح . فلما سمع نور الدين هذا الكلام قال : ما هذا المهر الذي اشترطه على ولدي أما تعلم أننا إخوان ونحن الإثنان وزيران في مقام واحد وكان الواجب عليك أن تقدم ابنتك لولدي هدية من غير مهر ، فانك تعلم أن الذكر أفضل من الأنثى وولدي ذكر ويذكر به وخلاف ابنتك . فقال : ومالها ؟ قال : لا ذكر بها بين الأمراء ولكن أنت تريد أن تفعل معي على رأي الذي قال أن أردت أن تطرده فأجمل الثمن غالياً ، وقيل أن بعض الناس قدم على بعض أصحابه فقصده في حاجة فغلى عليه الثمن . فقال له شمس الدين : أراك قد قصرت لأنك تعمل إبنك أفضل من بنتي ولا شك أنك ناقص عقل وليس لك أخلاق حيث تذكر شركة الوزارة وأنا ما أدخلتك معي في الوزارة إلا شفقة عليك ولأجل أن تساعدني وتكون لي معيناً ولكن قل ما شئت وحيث صدر منك هذا القول والله لا أزوج بنتي لولدك ولو وزنت ثقلها ذهباً . فلما سمع نور الدين كلام أخيه اغتاظ وقال : وأنا لا أزوج إبني إبنتك . فقال شمس الدين : أنا لا أرضاه لها بعلاً ولو أنني أريد السفر لكنت عملت معك العبر ولكن لما أرجع من السفر يعمل الله ما يريد . فلما سمع نور الدين من أخيه ذلك الكلام امتلأ غيظا وغاب عن الدنيا وكتم ما به وبات كل واحد في ناحية . فلما أصبح الصباح برز السلطان للسفر وعدي إلى الجزيرة وقصد الأهرام وصحبه الوزير شمس الدين ، وأما أخوه نور الدين فبات في تلك الليلة في أشد ما يكون من الغيظ فلما أصبح الصباح قام وصلى الصبح وعمد إلى خزانته وأخذ منها خرجا صغيرا وملأه ذهبا وتذكر قول أخيه واحتقاره إياه وافتخاره فأنشد هذه الأبيات : سافر تجد عوضاً عمن تـفـارقه ........ وانصب فإن لذيذ العيش في النصب ما في المقام لـذي لب وذي أدب ........ معزة فاترك الأوطان واغـتـرب إني رأيت وقوف الماء يفـسـده ........ فإن جرى طاب أو لم يجر لم يطب والبدر أفول منـه مـا نـظـرت ........ إليه في كل حين عين مـرتـقـب والأسد لولا فراق الغاب ما قنصت ........ والسهم لولا فراق القوس لم يصب والتبر كالتراب ملقى في أماكـنه ........ والعود في أرضه نوع من الحطب فإن تغرب هذا عـز مـطـلـبه ........ وإن أقام فلا يعلـوا إلـى رتـب فلما فرغ من شعره أمر بعض غلمانه أن يشد له بغلة زرزورية غالية سريعة المشي فشدها ووضع عليها سرجاً مذهباً بركابات هندية وعباآت من القطيفة الأصفهانية فسارت كأنها عروس مجلية وأمر أن يجعل عليها بساط حرير وسجادة وأن يوضع الخرج من تحت السجادة ثم قال للغلام والعبيد : قصدي أن أتفرج خارج المدينة وأروح نواحي القلبونية وأبيت ثلاث ليال فلا يتبعني منكم أحد فإن عندي ضيق صدر . ثم أسرع وركب البغلة وأخذ معه شيئاً قليلاً من الزاد وخرج من مصر واستقبل البر فما جاء عليه الظهر حتى دخل مدينة فليبس فنزل عن بغلته واستراح وأراح البغلة وأكل شيئاً وأخذ من فليبس ما يحتاج إليه وما يعلق به على بغلته ثم استقبل البر فما جاء عليه الظهر بعد يومين حتى دخل مدينة القدس فنزل عن بغلته واستراح وأراح بغلته وأخرج شيئاً أكله ثم وضع الخرج تحت رأسه وفرش البساط ونام في مكان والغيظ غالب عليه ، ثم أنه بات في ذلك المكان . فلما أصبح الصباح ركب وصار يسوق البغلة إلى أن وصل إلى مدينة حلب فنزل في بعض الخانات وأقام ثلاثة أيام حتى استراح وأراح البغلة وشم الهواء ثم عزم على السفر وركب بغلته وخرج مسافراً ولا يدري أين يذهب ولم يزل سائراً إلى أن وصل إلى مدينة البصرة ليلاً ولم يشعر بذلك حتى نزل في الخان وأنزل الخرج عن البغلة وفرش السجادة وأودع البغلة بعدتها عند البواب وأمره أن يسيرها فأخذها وسيرها فاتفق أن وزير البصرة كان جالس في شباك قصره فنظر إلى البغلة ونظر ما عليها من العدة المثمنة فظنها بغلة وزير من الوزراء أو ملك من الملوك ، فتأمل في ذلك وحار عقله وقال لبعض غلمانه : ائتني بهذا البواب . فذهب الغلام إلى الوزير فتقدم البواب وقبل الأرض بين يديه وكان الوزير شيخاً كبيراً ، فقال للبواب : من صاحب هذه البغلة وما صفاته ؟ فقال البواب : يا سيدي إن صاحب هذه البغلة شاب صغير ظريف الشمائل من أولاد التجار عليه هيبة ووقار . فلما سمع الوزير كلام البواب قام على قدميه وركب وسار إلى الخان ، ودخل على الشاب فلما رأى نور الدين الوزير قادماً عليه قام ولاقاه واحتضنه ونزل الوزير من فوق جواده وسلم عليه فرحب به وأجلسه عنده ، وقال له : يا ولدي من أين أقبلت وماذا تريد ؟ فقال نور الدين : يا مولاي إني قدمت من مدينة مصر ، وكان أبي وزيراً فيها وقد انتقل إلى رحمة الله وأخبره بما جرى من المبتدأ إلى المنتهى ثم قال : وعزمت على نفسي أن لا أعود أبداً حتى أنظر جميع المدن والبلدان . فلما سمع الوزير كلامه قال له : يا ولدي لا تطاوع النفس فترميك في الهلاك ، فإن البلدان خراب وأنا أخاف عليك من عواقب الزمان . ثم إنه أمر بوضع الخرج عن البغلة والبساط والسجادة ، وأخذ نور الدين معه إلى بيته وأنزله في مكان ظريف وأكرمه وأحسن إليه وأحبه حباً شديداً وقال له : يا ولدي أنا أصبحت رجلاً كبيراً ولم يكن لي ولد ذكر وقد رزقني الله بنتاً تقاربك في الحسن ومنعت عنها خطاباً كثيرة وقد وقع حبك في قلبي ، فهل لك أن تأخذ إبنتي جارية لخدمتك وتكون لها بعلاً ، فإن كنت تقبل ذلك أطلع إلى سلطان البصرة وأقول له أنه ولد أخي وأوصلك إليه ، حتى أجعلك وزيراً مكاني وألزم أنا بيتي فإني صرت رجلاً كبيراً . فلما سمع نور الدين كلام وزير البصرة أطرق برأسه ثم قال : سمعاً وطاعة . ففرح الوزير بذلك وأمر غلمانه أن يصنعوا له طعاماً وأن يزينوا قاعة الجلوس الكبيرة المعدة لحضور أكابر الأمراء ، ثم جمع أصحابه ودعا أكابر الدولة وتجار البصرة فحضروا بين يديه وقال لهم : أنه كان لي أخ وزير بالديار المصرية ورزقه الله ولدين وأنا كما تعلمون رزقني الله بنتا ، وكان أخي أوصاني أن أزوج بنتي لأحد أولاده فأجبته إلى ذلك فلما استحقت الزواج أرسل إلي أحد أولاده وهو هذا الشاب الحاضر ، فلما جائني أحببت أن أكتب كتابه على بنتي ويدخل بها عندي . فقالوا : نعم ما قلت . ثم شربوا السكر ورشوا ماء الورود وانصرفوا وأما الوزير فإنه أمر غلمانه أن يأخذوا نور الدين ويدخلوا به الحمام وأعطاه الوزير بدلة من خاص ملبوسه وأرسل إليه الفوط والطاسات ومجامر البخور وما يحتاج إليه فلما خرج من الحمام لبس البدلة فصار كالبدر ليلة تمامه ، ثم ركب بغلته ودخل على الوزير فقبل يده ، ورحب الوزير به وقال له .... رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
Recommended Posts
من فضلك سجل دخول لتتمكن من التعليق
ستتمكن من اضافه تعليقات بعد التسجيل
سجل دخولك الان