ThE.jAgUaR قام بنشر May 21, 2007 Share قام بنشر May 21, 2007 صفـات الداعيـة الناجــح بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد , وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: فإن موضوع الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى موضوع مهم , فالدعوة إلى الله تعني طلب الدخول في دين الله عز وجل فإن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته, قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56 - 58] . وعبادتهم لله يرجع نفعها إليهم ؛ لأنهم هم المحتاجون إلى عبادة الله سبحانه وتعالى, أما الله جل وعلا فإنه غني عنهم وعن عبادتهم , قال تعالى: {إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم: 8] . وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: (يا عبادي, لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً , لو أن أولكم وآخركم, وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً.. يا عبادي , إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها , فمن وجد خيراً فليحمد الله , ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) (7) فالعباد هم الذين بحاجة إلى أن يعبدوا الله من أجل أن ينالوا رضا الله ومغفرته ورحمته , من أجل أن يدخلهم جنته وينقذهم من عذابه, ولذلك خلقهم الله سبحانه وتعالى , ولكن اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يختبرهم وأن يمتحنهم ؛ ليتميز بذلك أهل طاعته من أهل معصيته, والشيطان وحزبه يدعون الناس إلى الخروج عن عبادة الله وإلى معصية الله وإلى اتباع الأهواء والشهوات ؛ ولذلك أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل يدعون الناس إلى الخير , والشياطين تدعوهم إلى الشر {وَاللَّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة: 221] , {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [يونس: 25] , {يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} [إبراهيم: 10] . فالله يدعو عباده إلى أن يعبدوه ويتوبوا إليه ويستغفروه وأرسل الرسل يدعون الناس إلى ذلك , وكلف العلماء ورثة الأنبياء بالدعوة إليه سبحانه وتعالى من أجل مصلحة العباد ومن أجل منفعتهم , فالدعوة إلى الله قائمة منذ حصل ما حصل بين آدم وعدوه الشيطان وعندما تكفل الشيطان بإغواء بني آدم من استطاع منهم وإضلالكم {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6] . فلا شك أن هناك دعاة إلى الخير وهناك دعاة إلى الباطل من شياطين الجن والإنس حكمة من الله سبحانه وتعالى وابتلاءً وامتحاناً للعباد منذ بدء الخليقة إلى آخر الدنيا والصراع مستمر بين الحق والباطل وبين الدعاة إلى الخير والدعاة إلى الشر, والله سبحانه وتعالى أثنى على الدعاة إلى الله, قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت 33, 34] . فأخبر أن الدعاة إلى الله هم أحسن الناس قولا. وأيضا وصف الدعاة بأنهم يعملون بما يدعون الناس إليه {وَعَمِلَ صَالِحًا} فالداعية يجب أن يكون أول من يمتثل بما يدعو إليه من الطاعة والعبادة حتى يكون قدوة صالحة وحتى تصدق أقواله أعماله. ولهذا يقول نبي الله شعيب عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88] . وقوله تعالى: {وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] أي: ينتسب إلى الإسلام وإلى المسلمين وجماعة المسلمين , لا ينتسب إلى أحد سوى المسلمين ؛ ثم يبين الله سبحانه وتعالى أن الداعية إلى الله يتعرض إلى أذى من الناس ولكن أوصاه بأن يدفع بالتي هي أحسن. فإذا أساء أحد إليه فإنه يقابل الإساءة بالإحسان ؛ لأن هذا يبعث على قبول دعوته {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34] فالداعية حينما يؤذى فإنه لا يلتفت إلى ما يقال وما يفعل ضده. وأيضاً يقابل الإساءة بالإحسان فيحسن إلى من أساء إليه من أجل أن يجتلب الناس إلى الخير ؛ لأنه لا يريد الانتصار لنفسه, وإنما يريد الخير للناس ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتصر لنفسه قط وإنما يغضب وينتصر إذا انتهكت حرمات الله سبحانه وتعالى أما هو في نفسه فهو يؤذى ويقال فيه ويتكلم فيه ولم يكن ينتصر لنفسه, بل يحتسب الأجر عند الله سبحانه وتعالى. وهذا أيضاً من مقومات الدعوة الإحسان إلى المدعوين وإن أساؤوا. هذا مما يجلبهم إلى الخير ويرغبهم في الخير أما مقابلتهم بالإساءة فإن هذا ينفرهم: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34] . ثم بين أن هذه الصفة صفة عزيزة, يعني: كون الإنسان يضير ويتحمل ويقابل الإساءة بالإحسان هذه صفة عزيزة فقال: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا} [فصلت: 35] . هذه تحتاج إلى صبر وهو حبس النفس عن الجزع , حبس النفس عن إرادة الانتقام والانتصار. توطين النفس هذا ما يدفع به العدو الإنسي يدفع بالإحسان إليه حتى تجتلب مودته ويتألف على الخير, أما العدو الشيطاني فبين الله ما يدفع به فقال: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36] . فالداعية إلى الله يتعرض إلى شياطين الإنس وشياطين الجن أما شياطين الإنس فيقابلهم بالإحسان عن إساءتهم والصفح عن زلتهم وعدم الالتفات إلى ما يقولون. أما العدو الجني فإنه يدفع بالاستعاذة, هذا طريق الداعية الناجح أنه يستمر في دعوته إلى الله وأنه لا يفت في عضده أو يفل من عزمه أن فلانا أساء إليه أو تكلم فيه ؛ لأنه لا يدعو لنفسه ولا ينتصر لنفسه وإنما يدعو إلى الله سبحانه وتعالى, فالدعوة إلى الله معناها طلب الدخول في دين الله عز وجل الذي خلق الخلق من أجله والذي به سعادتهم وصلاحهم وفلاحهم. فالداعية إلى الله لا يريد من الناس أن يردوا إليه جزاء على دعوته وإنما يريد الأجر من الله, والداعية إلى الله لا يريد الرفعة والعلو في الأرض وإنما يريد المصلحة للناس ومنفعة الناس ويريد إخراجهم من الظلمات إلى النور. هذا الذي يريده الداعية الناجح أما الذي بعكس ذلك يريد مظهرا أو يريد ثناء من الناس فهذا لا شك أنه يرجع من أول الطريق عندما يقابل أول عقبة , أما الذي يدعو إلى الله فإنه لا ينثني, بل يستمر في دعوته: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرً} [الأنعام: 90] كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يقولون لأممهم: لا نسألكم عليه أجرا . وإنما نريد النفع لكم والخير فإن قبلتم فلذلك هو المقصود ؛ وإذا لم تقبلوا فنحن قد أبرأنا ذمتنا وأقمنا الحجة عليكم. والدعوة إلى الله تسبق الجهاد ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا أرسل جيوشه يوصيهم بأن يدعو الناس قبل مقاتلتهم يبدؤونهم بالدعوة إلى الله , فإن استجابوا فالحمد لله , وإن لم يستجيبوا فعند ذلك يقاتلون ويجاهدون, لإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى ؛ فالكفار يدعون إلى الدخول في دين الله.. والمسلمون الذين عندهم انحراف في العقيدة يدعون إلى تصحيح العقيدة.. والمسلمون الذين عندهم استقامة على العقيدة ولكن عندهم بعض المعاصي والمخالفات يدعون إلى التوبة وإلى ترك الذنوب والمعاصي. فالدعوة إلى الله مطلوبة وهي تتنوع بحسب الحاجة فلا بد من الدعوة إلى الله عز وجل وظيفة الأنبياء والمرسلين وأتباعهم من العلماء الملحدين إلى أن تقوم الساعة ولا يجوز تركها. يقول الله عز وجل في مدح هذه الأمة: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] ويقول: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] . فوظيفة هذه الأمة هي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ؛ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور, والله سبحانه وتعالى أمر نبيه بالدعوة إلى الله: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] . هذا أمر من الله سبحانه وتعالى لنبيه , ثم بين له المنهج الذي يسير عليه في دعوته: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108] ثم لا بد أن يكون منهج الدعوة موافقا لما شرعه الله سبحانه وتعالى وليست مناهج الدعوة مفوضة إلى الناس يضعون مناهج لأنفسهم, بل المنهج وضعه الله سبحانه وتعالى ورسمه وطبقه الرسول صلى الله عليه وسلم في سيرته العطرة وكذلك أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ساروا على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته وأي واحد يحدث منهجا يخالف منهج الرسول صلى الله عليه وسلم منهج الكتاب والسنة فإنه يكون مخطئا في منهجه وبالتالي لا تنجح دعوته, بل تكون دعوته غير صحيحة , إنما ينجح في دعوته إذا ترسم خطى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذ منهج الدعوة من الكتاب والسنة. وفي هاتين الآيتين بيان واضح ؛ لذلك نأخذ منهما أنه يشترط في منهج الدعوة بادئ ذي بدء: أن تكون النية خالصة لله عز وجل, وأن يكون مقصود الداعية ثواب الله سبحانه وتعالى وإقامة دينه وإصلاح المدعوين على الطريق السليم. لا يريد عرضا من أعراض الدنيا ولا علوا في الأرض ولا رياء ولا سمعة ولا طمعا دنيويا, وإنما يريد بذلك وجه الله, ويريد أيضا إخراج الناس من الظلمات إلى النور, ومن الضلال إلى الهدى ومن الكفر إلى الإيمان ومن المعصية إلى الطاعة هذا المقصود. وفي قوله تعالى: {إِلَى اللَّهِ} : التنبيه على الإخلاص ؛ يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله على هذه الآية {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} : فيه التنبيه على الإخلاص ؛ لأن أكثر الناس إنما يدعو إلى نفسه (8) أقول: ولا يدعو إلى جماعة أو حزب أو شخص غير محمد صلى الله عليه وسلم , ولا إلى مذهب غير دين الإسلام , ولا إلى جماعة غير جماعة المسلمين , أهل السنة والجماعة {وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] فعلى الداعية أن يدعو إلى الله ولا يدعو إلى نفسه, لأن أكثر الناس يدعو إلى نفسه ولذلك فإذا حصل عليه شيء من الأذى أو من التنقيص أو من أي عائق من العوائق تأثر ؛ لأن هذا عنده يخدش في نفسه وفي شخصيته, أما الذي يدعو إلى الله فإنه لا يهمه أمدحه الناس أو لم يمدحوه ؛ لأن يريد وجه الله عز وجل. وإذا أصابه شيء فهو في سبيل الله عز وجل. الصفة الثانية من هذا المنهج: أنه يشترط في الذي يدعو إلى الله أن يكون على بصيرة, يكون على علم بما يدعو إليه بأن يتعلم أولا العلم الذي يستطيع به أن يدعو الناس إلى الله عز وجل. فالجاهل لا يصلح للدعوة وإن كانت نيته صالحة وإن كان يدعو إلى الله بقصده وعزمه, ولكن إذا لم يكن عنده علم فإنه لا يصلح للدعوة ؛ لأنه ليس معه مؤهل شرعي ؛ لأن الذي يدعو إلى الله يحتاج إلى أن يبين للناس الخطأ من الصواب , في العقيدة , في العبادات وفي المعاملات وفي الآداب والأخلاق , وفي الأحوال الشخصية وفي جميع أمور الشرع يحتاج إلى أن يبين لهم هذه الأشياء , إذا لم يكن عنده علم فكيف يبين لهم هل يقول فيها بجهل يحلل ويحرم بجهل ؟ هذه مصيبة عظيمة. هذا يضلل الناس وإن كان مقصده حسنا إلا أنه بعدم علمه يضلل الناس, قد يحرم حلالا وقد يحل حراما وقد يفتي خطأ فلا يصلح للدعوة إلا من كان مؤهلا بالعلم الشرعي المستفاد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على بصيرة, والبصيرة هي العلم والذي يدعو إلى الله يعترضه خصوم ويعترضه مشبهون ويعترضه منافقون فإذا لم يكن مؤهلا بالعلم الشرعي الذي يستطيع به أن يرد على شبهاتهم وخصوماتهم فإنه ينهزم من أول الطريق وينتصرون عليه ويكون هذا على حساب الدعوة. كيف يستطيع أن يجيب على المشكلات وعلى الشبهات وعلى التضليلات إنسان ليس عنده علم شرعي. فالبصيرة في الدعوة وهي العلم من ضروريات الدعوة , أما مجرد النية الصالحة ومجرد محبة الخير بدون علم هذا لا يكفي , وأنتم ترون الآن أن المحاضرين وأن الوعاظ الذين يتكلمون في تجمعات الناس يتعرضون لأسئلة وإجابات بعد كل محاضرة بعد كل كلمة , فإذا لم يكن المتكلم أو المحاضر على علم كيف يستطيع أن يجيب هؤلاء الجموع التي أمامه ؟ وقوله سبحانه: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108] , تنزيه لله سبحانه وتعالى عما لا يليق به وبراءة من المشركين وكذلك أتباع هذا الرسول صلى الله عليه وسلم يتبرءون من الشرك ومن المشركين ؛ لأن الشرك دعوة غير الله عز وجل وعبادة غير الله عز وجل, فالذي يدعو إلى الله لا بد أن يتبرأ من أعداء الله ويوإلى أولياء الله سبحانه وتعالى ؛ لقوله تعالى: {وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] , فينتمي إلى حزب الله وإلى المسلمين, لا ينتمي إلى المبادئ المشبوهة أو الأحزاب المشبوهة , وإنما ينتمي إلى حزب الله وإلى جماعة المسلمين المخلصين لله عز وجل. هذه صفات الداعية الذي يقوم بهذا العمل الجليل ؛ وقال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل: 125] , والحكمة: وضع الشيء في موضعه, وتطلق الحكمة ويراد بها العلم والفقه, {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء: 113] وقيل الحكمة هي: السنة النبوية والأحاديث النبوية, قال تعالى {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان: 12] , يعني الفقه والبصيرة. فالحكمة كلمة يراد بها الفقه , ويراد بها وضع الشيء في موضعه اللائق به, وذلك مثل قوله: {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف: 108] يعني: على علم بما أدعو إليه في قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] , والآية التي بعدها ذكر الله سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين المدعوين وأن الداعية يعامل كل فئة بما يتناسب معه: الصنف الأول: الجهال , الذين ليس عندهم عناد وليس عندهم إصرار على الخطأ , وإنما وقعوا في الخطأ عن جهل فهؤلاء يكفي أن يبين لهم الحق , فإذا بين لهم الحق انتقلوا إليه وتركوا ما هم عليه من الخطأ , أن هؤلاء لا يحتاجون إلا إلى البيان ؛ لأنهم وقعوا في الخطأ من غير قصد وهم يريدون الحق فلما بين لهم الحق انتقلوا إليه وتركوا ما هم عليه هذه فئة من الناس ؛ يكفي فيها أن تبين لها الحق وأن ترغبها فيه وهي لا تريد إلا الحق وتدور مع الحق والحق ضالتها , فإذا بين لها انتقلت إليه. الفئة الثانية: من إذا بين له الحق وبين ما هو عليه من الخطأ يتكاسل عن الانتقال من الخطأ إلى الصواب ويكون عنده فتور فهذا يحتاج إلى موعظة بعد البيان وأن تبين له عقوبة من تبين له الحق ولم يقبله ولم يبادر إليه , كما قال الله تعالى {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110] فالذي له الحق ولم يقبله ولم يسارع إليه يخشى عليه من الزيغ ومن تقلب القلب. الصنف الثالث: من يكون عنده جدال بعد أن تبين له الحق يعرض شبهات ويعرض إشكالات يريد بها رد الحق فهذا يحتاج إلى جدال بالطريقة التي توصل إلى الحق ولا يترتب عليها تنفير أو يترتب عليها عنف, بل جدال بالتي هي أحسن كما قال تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46] فهذا يحتاج إلى جدال لرد ما يدلي به من الشبهات. ومن ثم قلنا: إن الداعية إلى الله يحتاج إلى علم ؛ لأنه كيف يستطيع أن يجادل بالتي هي أحسن إلا إذا كان عنده علم وكان عنده بصيرة تأهل بها وتسلح بها من الأول قبل أن يدخل الميدان ؛ إذا فالمدعوون: إما أن يكونوا جهالا يقبلون الحق إذا بين لهم وإما أن يكون عندهم شيء من الكسل بعد بيان الحق لهم فيحتاجون إلى موعظة , وإما أن يكون عندهم شبهات يتعلقون بها ويبررون ما هم عليه بشبهاتهم فيحتاجون إلى جدال حتى تزول شبهاتهم وتنقطع معذرتهم , وقد ذكر معنى هذا التقسيم على هاتين الآيتين الحافظ ابن كثير في تفسيره وذكره أيضا ابن القيم في (9) أخذا من هذه الآية ففيهما منهج الدعوة واضح لا إشكال فيه, وأنه يعتمد أولا على الإخلاص لله ؛ ويعتمد ثانيا على العلم ؛ ويعتمد ثالثا على الطريقة الصحيحة التي بها توصل الدعوة إلى الله عز وجل إلى قلوب الناس. فإذا كانت الدعوة تسير على طريقة صحيحة فإنها تصل إلى القلوب وينفع الله جل وعلا بها ولو لم يهتد بها إلا القليل إلا أنها على مر الزمان تبقى آثارها فيهتدي بها أجيال مستقبلة. واعتبوا بآثار المصلحين من علماء هذه الأمة حيث بقيت آثارهم بين الناس مثل: شيخ الإسلام ابن تيمية , وابن القيم وغيرهم من المصلحين نفع الله بدعوهم في وقتهم ونفع الله بها بعد وقتهم ولا يزال الناس ينتفعون بها ؛ لأنها سارت على منهج صحيح وعلى شرعي وعلى بصيرة فصار أثرها باقيا ومستمرا والحمد لله وأيضا من منهج الدعوة إلى الله عز وجل الأولويات في الدعوة بأن يبدأ بالأهم فالأهم كما هي دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام. فالرسل أول ما يبدأون بإصلاح العقيدة ؛ لأنها هي الأساس فإذا صحت العقيدة اتجهوا إلى إصلاح بقية الأمور فاتجهوا إلى إصلاح المعاملات وإلى إصلاح الأخلاق والسلوك, أما قبل إصلاح العقيدة فلا يمكن أن تكون الدعوة ناجحة ؛ لأنها لم تبن على أساس صحيح وكل شيء بني على غير أساس فإنه ينهار ولذلك اتجهت دعوات الرسل عليهم الصلوات والسلام أول ما اتجهت إلى إصلاح العقيدة فكل رسول يقول لقومه أول ما يقول لهم {وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36] كما قالها نوح عليه السلام وكما قالها هود وكما قالها صالح وكما قالها شعيب وكما قالها إبراهيم وكما قالها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث بقى في مكة ثلاث عشرة سنة يأمر الناس بإصلاح العقيدة وذلك بعبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة الأصنام والأشجار والأحجار. ثم بعد ما تقررت العقيدة نزلت عليه بقية شرائع الإسلام فرضت الصلاة , فرضت الزكاة , فرض الصيام , فرض الحج , فرضت أوامر الإسلام بعدما استقرت العقيدة واستقامت. وكان صلى الله عليه وسلم إذا أرسل الدعاة يأمرهم أن يبدءوا بدعوة الناس إلى إصلاح العقيدة فحينما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال (إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله , فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تأخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم). (10) انظروا كيف أمرهم أن يبدأ بالعقيدة , فإذا استجابوا للعقيدة ووحدوا الله عز وجل أمرهم بالصلاة ؛ لأن الصلاة لا تصلح إلا بعد إصلاح بعد إصلاح العقيدة فإذا استجابوا لله وأقاموا الصلاة أمرهم بالزكاة ؛ لأن الزكاة لا تصح إلا بعد صلاح العقيدة وإقامة الصلاة. وهكذا الدين يبنى على أساس التوحيد والعبادة لله سبحانه وتعالى, فالدعاة يجب عليهم أن يهتموا بهذا الأمر وهو إصلاح عقائد الناس وذلك دعوة الكفار إلى الدخول في الإسلام بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ودعوة المنتسبين إلى الإسلام الذين عندهم خلل في العقيدة إلى إصلاح عقيدتهم ولا يكفي أن الإنسان ينتسب إلى الإسلام وهو مختل العقيدة. فالإسلام لا يتحقق إلا إذا صلحت العقيدة , وإلا فما صحة الإسلام مع انحراف العقيدة ؟ ! فالدعوة لا تكفي ولا تفيد صاحبها شيئا, وكذلك لما أعطي على بن أبي طالب رضي الله عنه الراية يوم خيبر قال: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم , ثم ادعهم إلى الإسلام , وأخبرهم بما يجب عليهم من حق لله تعالى فيه , فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم) (11) أمره أن يدعوهم إلى الإسلام. والإسلام يبنى على الأركان: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله , وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة, وصوم رمضان, رمضان, وحج بيت الله الحرام. وكذلك بقية أوامر الدين وشرائعه كلها مكملات لهذه الأركان لكن الأساسات هي هذه الأركان الخمسة. ولما قال له ادعهم إلى الإسلام لم يكتف بهذا, بل قال له: (أخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه) (12) , بأن تشرح لهم ما هو الإسلام وأن الإسلام أوامر وأركان وأحكام وعبادات ومعاملات, وشرائع الإسلام كلها تدخل في مسمى الإسلام, وإلا لو كان القصد الانتساب إلى الإسلام فإنه لا يحتاج إلى أن يقول له أخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى, فالذي يدعو إلى الإسلام يجب عليه أن يشرح ما هي حقيقة الإسلام وما هي نواقض الإسلام وما هي منقصات الإسلام حتى يكون الناس على بصيرة. أما أن يدعو إلى الإسلام دعاء مجملا فهذا لا يكفي ؛ لأن دعوى الإسلام يدعيها الكثير. ولكن الإسلام الصحيح هو الإسلام الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم القائم على أوامر الله سبحانه وتعالى الذي ليس فيه ناقص من نواقض الإسلام , هذا هو الإسلام الصحيح.. وإلا كلمة الإسلام اليوم كثيرة على الألسنة ولكن الإسلام الصحيح هوالمقصود وهو المطلوب وهو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم على بن أبي طالب رضي الله عنه أن يبينه للناس. وهذا يؤدي ما سبق من أن الداعية لا بد أن يكون عالما بأحكام الإسلام من أجل أن يبين للمدعوين ما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه, أما الجاهل بأحكام الإسلام فهذا لا يستطيع إذا قالوا له: ما هو الإسلام ؟ لا يستطيع أن يشرح لهم الإسلام ويبين لهم الإسلام. فالواجب في هذا الأمر واجب عظيم لا بد من الدعوة إلى الله ولا بد في الدعوة إلى الله أن تقوم على أساس صحيح حتى تكون دعوة مثمرة مؤتية للمطلوب منها , فالدعوة إلى الله فضلها عظيم. كما قال صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه, لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا , ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه , لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا) (13) وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي سمعتم لعلي بن أبي طالب: (والله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم) (14) والمراد بها: الإبل النفيسة, ومعناه: خير لك من الدنيا وأنفس ما في الدنيا من الأموال فكيف إذا اهتدى على يد الإنسان جماعة من المسلمين وأجيال متلاحقة بسبب دعوة هذا المصلح إلى الخير وإلى الله سبحانه وتعالى فإن له من الأجر مثل أجور من تبعه قلوا أو كثروا لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. فالدعوة إلى الله مقام شريف وعمل جليل ولا بد منها. ولكن لا بد من الفقه في الدعوة بحيث تدعو الناس إلى الله سبحانه وتعالى على بصيرة, ولا بد من معرفة ماذا يشترط في الداعية إلى الله سبحانه وتعالى حتى تكون الدعوة سائرة على منهج سليم, وحتى لا يحصل اختلاف بين الدعاة إلى الله فإنه ينجم الاختلاف مع الجهل. أما إذا تفقه الدعاة في الدعوة إلى الله وعرفوا المنهج الصحيح فلن يختلفوا أبدا إنما يحصل الاختلاف إذا دخل في الدعوة من ليس أهلا لها ومن لم يتأهل لها بالعلم النافع والإخلاص لله عز وجل فحينئذ يحصل الاختلاف.. أما إذا تفقه الدعاة في الدعوة وخلصت نيتهم لله عز وجل وصار مقصودهم وجه الله سبحانه وتعالى فلن يختلفوا أبدا, وإنما يتعاونون ويكونون يدا واحدة يتعاونون على البر والتقوى. هذا, ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما فيه صلاحنا, وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين, وأن يرزقنا وإياكم البصيرة في دينه والعمل بشرعه والإخلاص في طاعته. وصلى الله وسلم على نبينا محمد , وعلى آله وأصحابه أجمعين -------------------------------------------------------------------------------- (( محاضرات في العقيدة والدعوة / المجلد الثالث )) لفضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان –حفظه الله- ======== اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافانا واهدنا إلي سواء السبيل آمين __________________ رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
Nanossa قام بنشر May 21, 2007 Share قام بنشر May 21, 2007 thanks tslam edek رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
ThE.jAgUaR قام بنشر May 21, 2007 الكاتب Share قام بنشر May 21, 2007 العفو ياجميل رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
Recommended Posts
من فضلك سجل دخول لتتمكن من التعليق
ستتمكن من اضافه تعليقات بعد التسجيل
سجل دخولك الان