ThE.jAgUaR قام بنشر May 20, 2007 Share قام بنشر May 20, 2007 بعد انتشار الكاميرات والتصوير في الموبايلات وظهور خدمة الجيل الثالث 3G فكان لابد من ظهور فتوى حديثة لهذه المخترعات التي تكون في بعض الأحيان ضارة إن اساء الانسان أستخدامها الاستنباط السادس عشر من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عند أحمد، وأبي داود، والترمذي في« السنن» وصححه الترمذي، وابن حبان، وهو عنده أتم سياقًا منه، ولفظه: قال النبي صلى الله عليه وسلم «أتاني جبريل فقال: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل وكان في البيت كلب، فَمُرْ برأس التمثال الذي على باب البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة، وُمُرْ بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن، وُمُرْ بالكلب فليخرج» ففعل رسول الله وفي رواية النسائي «إما أن تقطع رءوسها أو تجعل بسطًا توطأ». فإن في هذا النص دلالة على أن الإنسان إذا قام بقطع رأس التمثال أن ذلك يزيل المحظور، وتتمكن الملائكة من دخول ذلك البيت؛ لأنه قد صار مثل الشجرة التي لا روح فيها وقد ألحق أهل العلم بذلك الصورة المطبوعة، أو المنقوشة والصور الفوتوغرافية، فقالوا: يكفي فيها طمس الوجه مع أن الذي يظهر أن الأفضل في المنقوشة على قرام، وما شابه ذلك أن تهتك وتقطع وتتخذ وسائد توطأ، كما جاء بذلك الحديث الصحيح من أمر جبريل ـ عليه السلام ـ للنبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك بالقرام الذي كان في منزله يستر به سهوة له ومنه ما جاء في «الصحيحين» عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وفي البيت قرام فيه صور، فتلون وجهه، ثم تناول الستر فهتكه وقال: «إن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور». والذي حملنا على هذا التفريق أن الأحاديث قد جاءت مفرقة بين الأمرين، فطريقة إنكار الأولى: أن يقطع رأسها، أما الثانية: فتقطع كلها إذن فالواجب في جميع الصور أن تكون مهانة وهذا ـ والله أعلم ـ لأنه ما من شيء كان في يوم من الأيام سببًا موصلًا إلى الشرك الأكبر والجرم الذي لا يغفر إلا حرمه الله تعالى، ووضعه وما ذلك إلا لعظم أمر الشرك، ولهذا سد جميع وسائله القديمة والحديثة سدًّا للذرائع، وبعدًا عن الافتتان بذلك. وكما هو معلوم أن أول شرك حصل في الأرض كان بسبب التصاوير والافتتان بها؛ كما في «صحيح البخاري» عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: «صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعدُ أمَّا، ودٌّ فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف، ثم سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع؛ أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسَّخ العلم عبدت». أما الاستنباط الذي نحن بصدده فهو أن هذه الأحاديث الدالة على الأمر بالتخلص من الصور، وإهانتها جاءت لتعلمنا وتبين لنا كيفية إنكار منكر قد وقع، بمعنى أنها جاءت لتوضح المخرج الشرعي لمن وجد منكرًا من تلك التصاوير، وماذا عليه أن يفعل تجاهها إذن فالعلاج والمخرج من ذلك المنكر هو ما جاءت الأحاديث المتقدمة لتبينه ليرضى الله عز وجل عنا، ولتدخل الملائكة ذلك المكان مرة أخرى بعد أن مُنِعَت منه بسبب تلك التصاوير هذا ما جاءت الأحاديث لتقرره. ولم تتكلم الأحاديث، ولم تتطرق مطلقًا لرسم ذوات الأرواح المقطوعة الرأس، أو الأعضاء فضلًا عن أن تجوزه. أما التصاوير والرسم، وصنع التماثيل أعني إنشاء هذه التصاوير ابتداء فيبقى على حاله الأولى من الحرمة الشديدة، وأنه من كبائر الذنوب، فتصوير ذوات الأرواح سواء الوجه، أو باقي الأعضاء محرم ولا يجوز وسيؤمر فاعله أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة، وليس بنافخ وهو متعرض للوعيد الشديد المنصب على التصاوير والمصورين، كيف وقد علمنا أن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال للرجل الذي جاء يسأله عن التصاوير: فنهاه ابن عباس عنها جميعًا كما في «صحيح مسلم», ثم قال له: فإن كنت ولابد فاعلًا فالحجر والشجر وما لا نفس له؛ فانظر بارك الله فيك هذا ابن عباس حبر هذه الأمة يرى كراهية التصاوير مطلقًا ذوات الأرواح وغيرها، ثم قال: فإن احتجت إلى ذلك ولابد فلا شيء يجوز سوى الأحجار والأشجار وما لا نفس له. فكيف الأمر في من توسع في تصوير ذوات الأرواح إلى الغاية منها والعياذ بالله من هذا المنكر العظيم. وعليه فإن ما يفعله بعض الناس اليوم من رسم لأجسام الحيوانات والإنس، أو بعض أجزائها بدون رسم للوجه، أو رسمه مع وضع خط على العنق يزعمون بذلك أنهم قد أزالوا المحظور بقطع العنق، ويحسبون أن ذلك جائز، ويستدلون بالأحاديث المتقدمة، فإن هذا خلط رهيب، وسوء فهم ظاهر للنصوص والأحاديث الواردة في ذلك؛ لأن الأحاديث لم تسوغ إنشاء الرسم، أو التصاوير ابتداء وإنما غاية ما فيها أنها أوجدت المخرج فقط، وكيفية تغيير ذلك المنكر في تلك الصور التي عمت وطمت، فالأحاديث إنما بينت ودلت على السبيل الذي به يزول المحذور، ولم تأذن بتصوير أو رسم أو نحت الأعضاء سواء مقطعة أو متصلة من ذوات الأرواح فالأحاديث مقررة لهذا الأمر، ولم تتكلم عن التصوير والتجسيم لذوات الأرواح بدون رأس فضلًا عن تجويزها لذلك. وكما هو معلوم أن اليد تجري فيها الروح، كما تجري في القدم والقلب والوجه، وإنما جاء تخصيص الرأس لبيان المخرج، ولما فيه من بديع الخلقة وعجائب الصنعة ما ليس فيما سواه من الأعضاء، ولأن الرأس إذا قطع صارت الصورة أشبه ما تكون بالشجرة التي لا روح فيها، أما أن يعمد الإنسان إلى الرسم والتصوير بدون رأس، فهذا ما لا دليل عليه، بل إن عموم الأدلة المحرمة للتصاوير تشمل جميع ما يصور من ذوات الأرواح فالجميع محرم، والجميع منهي عنه، فكل ما فيه روح هو داخل في العموم. والأعجب من هذا أن بعض إخواننا الصالحين غفر الله لهم قد أقحموا الصور في مجال الدعوة إلى الله عز وجل، فأخذوا يرسمون هيئات الصلاة من سجود وركوع وجلوس ووضع اليدين على الصدر، وكيفية الوضوء، و أطوال الإزار، وحد الإسبال مع رسم للقدمين لبيان ذلك وهيئات الجلوس المحرمة، وكيفية أداء مناسك الحج والعمرة مصورة بالأعضاء مع قطع للرءوس، أو مع تصوير الرأس وطمس معالمه ظنًّا منهم أن هذا يصيرها حلالًا، وما إلى ذلك زعمًا منهم أن هذا يوضح المطلوب ويقربه إلى الأذهان وأن المشاهد ليس كالمقروء في التأثير على الناس وأن هذه الطريقة قد أجدت في هذا المجال ونفعت، وهذا كله مع احترامي الشديد للدعاة وطلبة العلم الفاعلين له هو من الخطأ البين ذلك لأن كون الشيء أجدى مع الناس، ونفع لا يدل على إباحة ذلك الشيء فضلًا عن أن يكون مشروعًا كيف، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :«وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»، فهل يقول أحد إن وصف الفجور سيزول عن هذا الفاجر لكونه فعل ما يتأيد به الدين أم أنه يبقى على فجوره؟ بل يبقى على هذا الوصف، وكم من منحرف وضالٍ بل ومبتدع اهتدى على يديه بعض العباد فهل يدل هذا على صلاحهم ؟كلَّا. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما في «الصحيحين» من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عرضت علي الأمم، فجعل يمر النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد....» الحديث. فهذا نبي لم يتبعه أحد وبعضهم لم يتبعه سوى رجل أو رجلين إلى غير ذلك، فهل هذا يعني وجود خلل في الأسلوب أو الدعوة؟! كلا والله وحاشاهم من ذلك عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم. وعليه فلا تكون الوسيلة صحيح وصالحة بناء على نتائجها، إلا إذا أتى دليل يؤيد ذلك، ويوضحه كيف وقد قام الدليل على خلاف ذلك؟ كما أن قلة الأتباع لا يعني خطأ الداعية، وفساد الوسيلة وعليه فكل هذا لابد من ضبطه بنصوص الكتاب والسنة. ثم إن الدعوة إلى الله عز وجل يجب أن تكون طيبة، ونظيفة، وصحيحة لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإننا لا نشك في أن مراد هؤلاء الدعاة إلى الله أن يجلبوا الهداية للناس عن طريق هذا العمل، ولكننا نذَّكِر أنفسنا و إياهم أن الهداية عند الله عز وجل وإن ما عند الله لا يطلب بما حرم، فأجملوا في الطلب، ومما يزيد الأمر وضوحًا أنه قد دخل في الإسلام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ من الأعاجم جمع غفير، ومع ذلك لم ينقل إلينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أو خلفاءه من بعده فعلوا ذلك، فلم يعمدوا إلى الرسم والتصوير، لتوضيح كيفيات العبادات، وطريقة أدائها مع الحاجة لذلك ووجود الداعي له فهؤلاء الأعاجم لا يعرفون اللغة العربية ولا سبيل إلى تعليمهم إلا بالتطبيق المباشر، أو الكتابة أو الرسم، فلم يعمدوا إلى الرسم أبدًا مع أنه أسهل وأيسر من الكتابة والترجمة باللغات المختلفة، بل استعملوا أسلوب التطبيق المباشر مع الكتابة في بيان ذلك بلغاتهم ما أمكن ذلك، ولو كان عندهم دليل أو أثارة من علم في جواز ذلك لفعلوه، لأنهم هم أحرص الناس على إرضاء الحق وهداية الخلق. ومن هذا يعلم أن هذا هو عين الحق، و أن الخير كله فيما فعلوه فما علينا إلا أن نتبعهم، ونستعمل هديهم فهم أعرف بما يرضي الله ويسخطه رضي الله عنهم أجمعين. كما أن استعمال الصور في الدعوة إلى الله هو من التشبه بأهل الكتاب، فقد استعملوها في الدعوة إلى صالحيهم وتعظيمهم كما في «الصحيحين» عن عائشة : أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة». وهم أيضا في هذا الزمان يستعملون التصاوير تبعًا لأسلافهم المجرمين في بث سمومهم إلى الناس عبر أجهزة الإعلام، وعبر المجلات المصورة والموضوعة على حسب الأعمار والأهواء، ويقومون بتوزيعها بالمجان، وكلها دعوة إلى النصرانية ويشتريها المسلمون لأولادهم بدعوى أنها من التسلية، وما ذلك إلا لأنها اكتظت بالصور الشائقة الفاتنة، والتي تلفت انتباه الإنسان. وقد تفشت الصور بين الناس في القرن التاسع عشر في زمن الثورة الفرنسية بشكل جعل حتى دعاة النصارى يشمئزون منه، فاستعمال التصاوير هو من هدي أهل الكتاب المغضوب عليهم والضالين الذين أمرنا أن نخالفهم ونباينهم ونجانب طريقهم، فالله المستعان وعليه التكلان. وأما استعمال تلك الصور في نقل التقتيل والتشريد الذي يحصل لإخواننا المسلمين في مشارق الأرض، أو مغاربها لاستدرار عطف إخوانهم المسلمين، لينفقوا من أموالهم ويمدوا يد العون لهم فهذا خطأ آخر، والخطأ لا ينتج إلا خطأ مثله، فإن استعمال الصور المحرمة شرعًا بصيغ هي من أبلغ العموم، كنحو قوله صلى الله عليه وسلم «كل مُـصَـوِّرٍ في النار»، وفي رواية «كل مُـصَـوَّرٍ في النار» . ففي «الصحيحين» عن سعيد بن أبي الحسن قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها. فقال له: ادن مني. فدنا منه ثم قال: ادن مني. فدنا حتى وضع يده على رأسه قال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسًا فتعذبه في جهنم»، وقال: إن كنت لا بد فاعلًا فاصنع الشجر وما لا نفس له هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري عن سعيد بن أبي الحسن قال: «كنت عند ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ إذ أتاه رجل فقال: يا ابن عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير. فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، سمعته يقول: «من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدًا» فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال: ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح. وقوله صلى الله عليه وسلم:«إن أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة المصورون» «متفق عليه» من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. وفي «الصحيحين» من حديث عائشة أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفْتُ أو فعرفَتْ في وجهه الكراهية فقالت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله، فماذا أذنبت فقال رسول الله r:«ما بال هذه النمرقة» فقالت: اشتريتها لك تقعد عليها وتوسدها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن أصحاب هذه الصور يعذبون ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم ثم قال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة». وفي البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ :«أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه» وفي «الصحيحين» عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت على بابي درنوكًا فيه الخيل ذوات الأجنحة فأمرني فنزعته»والأحاديث في هذا المعنى متواترة، وهذه الأحاديث تدل على أن الصور وإن كانت رقمًا في ثوب فإنها محرمة أما ما جاء في «الصحيحين» عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد عن أبي طلحة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة» قال بسر: ثم اشتكى زيد بعد فعدناه فإذا على بابه ستر فيه صورة قال: فقلت لعبيد الله الخولاني ربيب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ألم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأول؟ فقال عبيد الله: ألم تسمعه حين قال إلا رقمًا في ثوب، فإن هذا الحديث ليس فيه حجة بحمد الله وذلك لأمور: الأمر الأول: أن الراويَيْن اختلفا في إثبات هذه اللفظة «إلا رقمًا في ثوب»، فهي معلولة بالاختلاف. الأمر الثاني: أنه على فرض ثبوتها فإنها على الراجح من كلام زيد بن خالد رضي الله عنه، فإن حديث أبي طلحة المرفوع انتهى عند قوله «إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة» وأما قوله:«إلا رقمًا في ثوب» فهو اجتهاد من زيد بن خالد رضي الله عنه وأرضاه في مقابلة الأدلة المتقدم تقريرها، كما أن هناك جمعا من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ قد عارضوه ـ رضي الله عنه ـ في هذا الفهم، وقالوا بعموم النهي الوارد في الأخبار وذلك واضح فيما تقدم ذكره قريبا عن ابن عباس، وعائشة وغيرهم رضي الله عن الجميع. الأمر الثالث: أن الأحاديث المتكاثرة جاءت بالتحريم والنهي عن اتخاذ الصور عمومًا، وبالخصوص التي في الثياب كما تقدم مما يؤكد أن هناك وهمًا حصل. الأمر الرابع:أن هذا الخبر محتمل، وهو من المتشابه الذي يجب رده إلى المحكم، فيزول الإشكال. الأمر الخامس: أن هذه اللفظة فيها شذوذ فإن عبيد الله الخولاني وإن كان ثقة إلا أنه خالفه بسر بن سعيد في هذه الزيادة، كما خالفه جمع غفير من الثقات الذين رووا أحاديث النهي والمنع عن جميع الصور بما في ذلك المرقومة في الثياب، بل جاءت الأحاديث المتواترة بخصوص ذلك كما تقدم. أما ما جاء في «الصحيحين» عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه فيسر بهن إلي فيلعبن معي» فهذا إما أن يقال بأنه منسوخ لأن عائشة روت أحاديث النهي في كبرها، وأما لعبها فكان في صغرها، وإما أن يقال بأن هذا خاص بالبنات الصغار لتعويدهن على رعاية الأبناء ونحو ذلك أو أن يقال هذا مكروه للصغار فتحمل أحاديث النهي على الكراهة، وهذا الخبر على الجواز.وهذا ما نص عليه العلماء في هذا الحديث.والله أعلم. أما حديث عائشة أنها قالت:«دخل علي صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب باللعب فرفع الستر، وقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: لعب يا رسول الله: قال: ما هذا الذي أرى بينهن. قلت: فرس يا رسول الله. قال: فرس من رقاع له جناح. قالت: فقلت: ألم يكن لسليمان بن داود خيل لها أجنحة فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم » فهذا حديث ضعيف لا يحتج بمثله. فكيف يسوغ عبد لنفسه بعد هذا أن يستثني شيئًا من هذا العموم بدون دليل من الكتاب أو من السنة فإن من عمم هو وحده فقط الذي يملك أن يستثني مما عمم أما نحن فعبيد لا نملك أن نعقب على قول الشارع، كما أننا لا نملك أن نفتئت عليه في حق متمحض له، فنستثني ما لم يستثنه لنُحل ما حرمه علينا عياذًا بالله من ذلك وعليه فإن استعمال هذه الصور المحرمة للحصول على أمر مشروع ـ وهو الدعوة إلى الله تعالى ـ هو من هذه الحيثية من التشبه بأهل الكتاب الذين يعملون بمبدأ «الغاية تبرر الوسيلة» بينما نحن نتعبد لله بالوسائل، كما نتعبده بالغايات فالكل دين الله عز وجل، والله طيب لا يقبل إلا طيبًا، ولهذا تحولت المشاعر الإسلامية بين الإخوة المسلمين، والتي الأصل فيها أن تكون دائمًا متأججة متألمة لأحوال إخوانهم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى لحظات معدودة يدمع فيها العبد لأول مرة، ثم يجف الدمع في المرات القادمة، وكما قيل: «كثرة الإمساس تفقد الإحساس»، فيدفع دراهم معدودة، ويظن أنه بهذا قد أدى ما عليه تجاه إخوانه المسلمين، وهكذا فإن ما بني على خطأ لا يثمر إلا خطأ مثله، وما قام على غير دليل أو مناهض له فإن الله يمحق بركته، وإن كان مراد صاحبه الخير والدعوة إلى الله. كما أنه ينبغي أن لا ننسى أن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وليت شعري متى يكون الأمر المنهي عنه طيبًا؟ و أما من قال إنها من باب الضرورات قلنا إن الضرورات يقدرها صاحبها، والدعوة إلى الله هي لله، وهو الذي حرم علينا ذلك فكيف يحرمه ثم يضطرنا إليه؟ نعم: لو قيل ذلك في باب المعاملات التي يضطر إليها الإنسان قهرًا وجبرًا لساغ ذلك ـ مع إعلانه البراءة منها، وبغضه إياها في قرارة نفسه، ويجهر بإنكارها إن تمكن من ذلك، ويسعى إلى نفيها عنه بشتى الوسائل، ويجلس أمام المصور، وهو مبغض لذلك لا مبتسمًا مسرورًا لابسًا أحسن الثياب، كأنه ذاهب إلى المسجد، بل هي أشبه ما تكون ببيت الخبث الذي لا يطيق الإنسان طول المكث فيه، بل يبادر إلى الخروج منه بمجرد قضاء حاجته منه أما أن تستعمل تلك الصور بحجة الضرورة في مجال الدعوة إلى الله فهذا ما لا دليل عليه بل جاءت الأدلة تنهي عنه. والقاعدة المتفق عليها في هذا الباب؛ أعني باب الوسائل الشرعية هي: (أن كل أمر انعقد سببه في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وقام المقتضي على الفعل مع إمكانية الفعل ولم يفعلوه ففعله بدعة منكرة). وهذه قاعدة منضبطة في كل أفرادها بهذه القيود الواردة فيها أما إذا تخلف قيد منها فلا تنزل على الواقعة وهي بحمد الله منضبطة فيما نحن فيه من استعمال التصاوير في باب الدعوة إلى الله فإن قيل إن الكاميرات لم تكن موجودة في زمانهم فنقول: إن الرسم كان متاحًا ومتيسرًا وكان في زمانهم من يتقن ذلك ومع ذلك لم يفعلوه وهذا القدر دال على ما عداه، ومبين أن العموم الوارد في الأدلة يشمل كل صور ذوات الأرواح فإن الصورة بإجماع أهل اللغة هي الشكل فما كان شكلًا من ذوات الأرواح فهو محرم. وليت شعري لو كان عند قوم نوح هذه الكاميرات لما ترددوا في استعمالها لأن المراد إيجاد صورة مطابقة لصالحيهم. ناهيك عن اللَّبس الكبير الذي وقع فيه العوام، فبعد أن كانت الصور عندهم من المحرمات المسلَّم بها أصبحوا اليوم يشكون ويشككون في ذلك وما ذلك إلا لأن بعض طلبة العلم أجازوا لأنفسهم المثول أما شاشات المصورين المتوعدين بأشد العذاب دون أن ينكروا عليهم ما هم فيه من المنكر، فهل سمعتم في يوم من الأيام أن أحدًا من الذين وقفوا أمام تلك الشاشات أنكر الصور، أو بين حرمتها وأنه ما وقف أمامها إلا للضرورة، كما يزعمون معلنًا ذلك على الملأ لكي لا تقع الفتنة بفعله . هذا ما لم يحصل، ولا أظنه يحصل ولكن كثرة الإمساس تفقد الإحساس والله المستعان وعليه التكلان. ولذلك كثرت الصور اليوم بشتى أنواعها المتحرك منها وغيرها، وعكف الناس عليها صغارًا وكبارًا، وحجتهم في ذلك أن فلانًا من أهل العلم أجاز الصور حتى أن بعضهم أخذ يعلق تلك الفتاوى على أبواب محلات الفيديو المدمرة، ومحلات التصوير، ولسان حاله ومقاله يقول: لا تنكروا علينا فإن لدينا فتوى بجواز وحل التصوير فالله المستعان. ولذلك فليتق الله في هذه الأمة كل من يفتي بحل ذلك، ولينظر إلى الأبعاد السيئة والآثار المدمرة لمثل هذه الفتاوى، وإن كان علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ يقول لمن عكف على تصاوير الشطرنج وأضاع وقته أمامها: «ما هذه الأصنام التي أنتم لها عاكفون» فسماهم عليها عاكفين مع أنها جامدة لا تتحرك، فكيف بالصور المتحركة والتي عظمت الفتنة بها، والعياذ بالله، والله المستعان وعليه التكلان. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.والله أعلم. الاستنباط السابع والتسعون ذهب بعض أهل العلم إلى جواز التصوير الفوتوغرافي والصور التي في الكمبيوترات، والبث المباشر بدعوى أن هذه الصور لا زيادة فيها على الحقيقة فهي مجرد عكس للحقيقة وحبس للظل، فليس هو من باب التصوير ولا تسمى صورة في هذه الحالة، والبعض يعلل بكونها تزول بإغلاق الجهاز، وآخرون يقولون: إن أصلها ليس بصورة، وللإجابة على هذه الشبه أقول وبالله التوفيق : إن المتأمل في قوله صلى الله عليه وسلم: «ومن رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي». «متفق عليه»واللفظ للبخاري من حديث أبي هريرة، وفي رواية مسلم : «فإن الشيطان لا يتمثل بي». وفي «صحيح مسلم» من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : «من رآني في النوم فقد رآني إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي» وفيه عن جابر أيضا : «من رآني في النوم فقد رآني فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي» . يجد أن هذه الأحاديث كلها دالة على أن المرئي في المنام هي صورة النبي صلى الله عليه وسلم وقد بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم امتناع أن يتمثل الشيطان بصورته، ولا شك أن رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام ستكون بنفس معالمه وصفاته عليه الصلاة والسلام، فهي صورته حقيقة، وهي مطابقة للواقع، وهذا دليل على أن الصورة وإن كانت مطابقة تمامًا للحقيقة والواقع، فهي لا تخرج عن كونها صورة، فقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم صورة، بدليل هذه الأحاديث الصحاح . فإن قيل: أنا لم أصور بل عكست فقط، فالجواب أن هذه مغالطة عقلية؛ لأن من أثبت أنها صورة فإنه قد صورها، ولا يغني عنه قوله إنها عكس أو حبس للظل، علمًا بأن الذين صنعوا هذه الأجهزة سموها صورة (photo)، والبعض لا يفهم من التصوير سوى الرسم والنحت وهذا مخالف للغة العرب بل ولعموم النصوص التي تكلمت عن سائر أنواع الصور، وقد ذهب أصحاب المعاجم اللغوية إلى أن الصورة هي الشكل، وعليه فكل ما كان له شكل فهو صورة، وهذا الذي فهمه ابن عباس حيث عمم حكم المنع من التصوير على كل أفراده، ثم استثنى للحاجة ما لا روح له كما في «صحيح مسلم» من طريق سعيد بن أبي الحسن قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها؟ فقال له: ادن مني فدنا منه، ثم قال: ادن مني فدنا حتى وضع يده على رأسه قال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسًا فتعذبه في جهنم» وقال: إن كنت لا بد فاعلًا فاصنع الشجر وما لا نفس له. وليست المضاهاة هي العلة الوحيدة في تحريم التصوير؛ بل هناك عدة علل، فمنها التشبه باليهود والنصارى، ومنها أنها كانت أول سبب لوقوع الشرك في الأرض، كما في «البخاري» عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ومنها ضياع الأموال والأوقات وغير ذلك من العلل . وعليه فالصورة التي تظهر في الشاشات والكمبيوترات والبث المباشر والكاميرات الفوتغرافية؛ هي داخلة في جملة التصاوير، وإن قيل إنها تزول فإن هذا لا يغير من الحكم والمسمى شيئًا؛ لأنه من المعلوم أن الصورة التي في المنام تزول ومع هذا سماها الشارع صورة، فلا يسوغ بعد هذا تسميتها بغير اسمها تجويزًا لها كقولهم: (عكس أو حبس للظل أو ما شابه ذلك). فإن قيل: إذن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ورؤية ذوات الأرواح على السطوح الصقيلة، والمرايا، وسطح الماء هي الأخرى محرمة ؛ لأنها لا تنفك عن كونها صورة. قلنا نعم هذا هو الأصل، ولولا أن الشارع فرق بين ما للإنسان فيه عمل، وما ليس للإنسان فيه عمل، لتوجه القول بالتحريم لعموم الأدلة الواردة بأبلغ صيغ العموم في تحريم التصوير والتصاوير جملة وتفصيلًا. ولكن لما كانت الصور التي تظهر في الرؤى والمرايا والسطوح الصقيلة وسطح الماء لا دخل للإنسان فيها ولا عمل له فيها، لم يُحَمَّل تبعتها ؛ ولم يكلف باجتنابها لكونه لا يد له في ذلك، وإنما مناط التكليف بالأمر والنهي مندرج تحت ما كان بوسع الإنسان أن يقوم به لعموم قوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ ، ولهذا لم تدخل في عموم التحريم، فلازم الآية ومفهوم المخالفة منها أن ما ليس للإنسان فيه كسب لا يؤاخذ عليه، ولا يُحَمَّلُ تَبِعَتَه فلله الحمد والمنة. ولهذا لا نسمي الواقف أمام المرآة مصورا ولا من أجرى المياه كما لا نسمي الناظر في الأنهار والبحار مصورا ولا من صنع السطوح الصقيلة مصورا لأنها ليست من كسبه ولم توضع لذلك وهو أمر أجراه الله تعالى كذلك فليس للإنسان من فكاك وليس هو صانع للصورة بهذا الاعتبار. وكذلك أثر الأقدام على الأرض ونحو ذلك. كما يقال أن هذا الأشياء كلها كانت موجودة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدخلها ضمن المحرمات ولا ضمن التصاوير لأنها خارجة عن بابه تماما ، والمعارضة في ذلك دفع للمحسوس ومكابرة عقلية وسفسطة لا طائل من ورائها. ولهذا فرق الشارع بينهما فأحل هذه وحرم هذه ؛ فوجب الوقوف على ما أخبر به الشارع فهو أحكم وأعلم، كما أننا عباد لله تعالى والله تعالى، يقول:﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ﴾ ، فعلينا باجتناب ما نهى عنه وقبول ما أحله لنا هذا مقتضى العبودية لله رب العالمين. كما أن في الحديث دليلًا على أن العبرة في هذا الباب هو بما آل إليه الأمر والشيء، فالحكم إنما يكون على النتائج، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سماها صورة مع أنها مجرد رؤية منامية، ولكن لما كانت النتيجة أنه رأى الصورة أخذت الحكم والمسمى، وذلك دال على أنه متى ما ظهرت الصورة أخذت الحكم، ولا ينظر إلى المراحل المتقدمة على ذلك لكونها ليست هي محل النزاع ؛ لأنها لم تكن صورة أصلًا، كما أن المسافة بين الواقف أمام السطوح الصقيلة وأمام الماء هي مسافة انتقلت فيها صورته فظهرت عليها، فلم تسم هذه المسافة صورة لكونها لم تظهر بعد فلما ظهرت سميت، ومما يبين ويؤكد هذا المعنى ما جاء في حديث جبريل المشهور في «صحيح الإمام مسلم» وذلك لما قال عمر ـ رضي الله عنه ـ: إذ طلع علينا رجل، فمع أنه عرف فيما بعد أن هذا الرجل هو جبريل إلا أنه مازال يروي الخبر قائلًا : إذ طلع علينا رجل وهكذا رواه عنه ابنه عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ ؛ لأن العبرة بما يظهر لنا، أما ما غيب عنا أو مرَّ بمراحل قبل ذلك، فلا تعلق له بالحكم النهائي على الشيء، ولا يمكن بحال أن يغير من مسماه ؛ إذ المقصود هو ما ينتهي إليه الحال. فالحكم على الأشياء إنما يقع على الشكل المشاهد، لا على ما يخفى أو يكون وراء ذلك. ألست ترى الطعام يدخله العبد، أو الحيوان في فمه على أحسن ما يكون ثم يتحول إلى بول وغائط، ولما كان الحكم على حالة الشيء المعتبرة كان الطعام المشروع طاهرًا حلالًا، وكان البول والغائط نجسًا حرامًا. فلا يقال إن هذا البول والغائط هو نفسه الطعام الذي تم تناوله، فكل بحسب حاله.فيتم الحكم عليه حلًا أو حرمة. وفي هذا القدر من الاستدلال الرد على الذين يحللون التصوير بكونها أصلا حبسًا للظل، أو بكونها إشارات، أو ذبذبات أو نحو ذلك، أو أنها مطابقة للواقع. فنقول : المهم ما هو الشكل النهائي؟ أليس صورة ؟ فإذن فالحكم يتعلق بهذه الحالة لا بالمراحل التي قبلها.والله أعلم. ولعل من الفاضل التنبه إلى مسألة مهمة في هذا الباب، ألا وهي أن كثيرًا من الدعاة وطلبة العلم؛ بل وبعض العلماء يظن أن الله تعالى كلفه بهداية الناس كلهم، وأن الواجب عليه أن يدخل إلى كل بيت، وأن يخاطب كل إنسان، وكأنه شمس تشرق على مختلف بقاع الأرض، ولعل الدافع لهم على هذا رؤيتهم لتسارع الباطل وأهله في الفساد والإفساد في مشارق الأرض ومغاربها، فاستفزهم ذلك إلى سلوك بعض السبل التي أقل ما يقال فيها أنها مظنة ركوب الحرام، كيف وقد يركب بعضهم الحرام ؟! فأقول : إن هذا السعي الحثيث والحرص الشديد على هداية العباد كلهم في مشارق الأرض ومغاربها، وإن كان مطلبًا حميدًا؛ إلا أن الله تعالى لم يكلفنا به لعلمه تعالى بعدم قدرتنا عليه، فنحن بشر ولنا قدرات محدودة، ولهذا جاء التشريع بما هو في إمكان البشر، كما أنه مما ينبغي أن يتفطن له أن الله تبارك وتعالى لا يمكن بحال أن يعوز الأمة إلى الحرام، فإن هذا إذا كان ممتنعًا في باب الأرزاق، فلأن يمتنع في باب الدعوة إلى الله تعالى هو من باب أولى؛ ولهذا أخبر تعالى أنه طيب ولا يقبل إلا طيبًا، وبذلك أمر المرسلين وأمرهم أن لا يسلكوا في الدعوة إليه أي مسلك محرم، هذا هو الأصل العام في دعوة الرسل كلهم أنهم يدعون إلى الله بما أحل الله من الوسائل المتاحة لهم، وأنهم لا يتكلفون ركوب الحرام في الدعوة إليه، فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وبما أن الهداية عنده تبارك وتعالى وإنما تطلب منه جل وعلا؛ فلهذا أمرنا أن نُجْمِلَ في طلبها، وذلك بأن لا نأتيها إلا من أبوابها التي شرعها الله لنا، ولهذا قال الله تعالى مبينًا أنه سبحانه قادر على أن يهدي العباد كلهم، ولكن على الداعية أن يسعى بما أتيح له قال تعالى : :وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ، . وقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ المَوْتَى بَل لله الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ الله لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ الله إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ المِيعَادَ. وقوله تعالى:وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ @ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ. وإن كان قد تقرر في علم الأصول أنه لا يسوغ تقديم المصالح المتيقنة على المفاسد المتيقنة إذا استويا في المرتبة، فكيف بمن يقدم المصالح الظنية على المفاسد اليقينية، إذ إن هداية الناس عبر هذه الوسائل أمر ظني، فإن هذه الأجهزة لم توضع لذلك ففيها من بحار الباطل ما ينغمر فيه الحق، ولو كان نهرًا، في حين أن في الظهور هناك بالصور مفاسد يقينية، فمنها الترويج لتلك القنوات، وكون ذلك ذريعة إلى إدخال بعض الصالحين الدشوش إلى بيوتاتهم، والتلبيس على الأمة، والتصوير المحرم، وغير ذلك كثير، ألا فلنتق الله تعالى ولنتبع ما أحل الله لنا من الوسائل المشروعة والمباحة، وإن طال الطريق وتطاول الزمن، فإن الهادي هو الله تعالى، وهو الحكيم العليم، فلن نستعجل النصر بحرصنا، ولكن بالتقوى والصبر واليقين. والله نعم المولى ونعم النصير . فالحذر الحذر من أن تكون من الجاهلين الذين يحرصون على هداية الناس كلهم، ولو عن طريق ركوب أي سبيل ممكن بغض النظر عن مشروعيته.والله أعلم. وهو الهادي على سواء السبيل . فإن قيل ألا يمكن أن ندافع الباطل في القنوات الفضائية وغيرها، فالجواب: إن مدافعة الباطل لا تكون بالباطل وإنما تكون بالحق، ولهذا قال تعالى:﴿فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ﴾، وليس من الحق في شيء ظهور صور الدعاة في هذه القنوات المشبوهة، ولا حتى ما تسمى بالإسلامية، وليت شعري ما هي المصلحة من ظهور صور الدعاة هناك أهو الرياء والسمعة أم حب الشهرة؟ حاشا دعاة الحق من ذلك، وإنَّا نعيذهم ونُجِلُّهُم من أن يكونوا كذلك، على أن ظهورهم لا يعدو أن يضفي الشرعية على مواطن الفساد والإفساد، ولكن إن تصورنا وجود قناة إسلامية بحتة ليس فيها من المحرمات شيء وكان لابد منها فبالصوت فقط دون الصورة وذلك بشروط قررها العلماء المحققون: أن يكون مخلصًا لله تعالى متقيًّا له خائفًا راجيًا. فيكون أبعد ما يكون عن العجب والرياء والسمعة، وحب الظهور والشهرة . أن يقول ما يريد، لا ما يريد المبطلون . أن يكون حديثه في الأصول والمسائل الكبار، وهموم الأمة التي تعاني منها اليوم، كالولاء والبراء وبيان حقائقه، و التحريض على جهاد أعداء الله تعالى، وكشف خطط العلمانيين والحداثيين والرافضة وأمثالهم والرد على شبههم، والتحذير من اليهود والنصارى ومخططاتهم التوسعية الاستعمارية في العالم الإسلامي، ووجوب الانتفاض في وجوههم حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى. أن يُبَيِّنَ فساد أجهزة الإعلام؛ حتى لا يتخذ المبطلون من خروج الدعاة عبر وسائلهم ذريعة لترويج باطلهم تحت غطاء الحرية، أوالديمقراطية، أو الإسلامية، أو بما يعرف اليوم بـ (أسلمة الإعلام) كذبًا وزورًا. أن لا يسبق برنامج الداعية فساد ولا عهر ولا باطل، وأن لا يتخلله ذلك من باب أولى وأن لا يعقبه ذلك بداهة. فإن قيل هذه الشروط لا يمكن معها أن يظهر أي داعية على هذه القنوات المفسدة، ولا يتصور هذا إلا في إعلام طاهر من أدران الضلال والانحراف والزندقة . قيل: لم يكلفنا الله تعالى أن نركب الحرام للدعوة إليه، فإن أَبَوْا فتذكر قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ﴾ [الروم: 60]، وقوله تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: 23].والله تعالى أعلم. وعليه فخدمة الجيل الثالث حرام حتى على مستوى صلة الأرحام فإن صلة الأرحام عبادة ولا يحل لنا أن نركب الحرام لفعل قربة إلى الله تعالى فإننا مطالبون شرعا بصحة الوسيلة وصحة الغاية. ناهيك عن العورات التي ستكشف والبلاء العريض المترقب من وراء هذه الخدمة. ولابد أن نستصحب أن الفتياى تنظر إلى الواقع الذي يعيش الناس والمتأمل المنصف لا يكاد يتوقف في أن الفتنة قد عمت وظهرت وانتشرت فكيف نأخذ بالاعتبار الأقل ونحن نعلم أن القاعدة العريضة في العالم اليوم هم أتباع الهوى. وعلى كل فالصور من ذوات الأرواح كلها حرام وقد تقدم تقرير ذلك . وليس مع من أباحها ـ وحصل بذلك هذا الفساد العريض ـ أقول ليس معه أدنى دليل فما هي إلا الآراء والاجتهادات الشخصية في مقابلة الأدلة العامة الصريحة الصحيحة في الباب. وفتوى العلامة البراك موافقة تماما للقواعد العلمية أما الذين انتهجوا فقه التسيير أي مسايرة الواقع وليس فقه التيسير هم الذين يعتمدون على الآراء في مقابلة الأدلة وأقصد بهذا الكلام من عرف بالتخبط في الفتوى ولوي أعناق الأدلة والتخبط في أودية أحوال الناس في الدنيا يبحثون لهم عن المخارج من الانحرافات التي يقعون فيها فهمهم ترفيه الناس ولو بعيدا عن شرع الله أما الذين أصولهم منضبطه فمعاذ الله أن نقول عليهم ولو أدنى من ذلك. والله اعلم. -------------------------------------------------------------------------------- رابط هذا التعليق شارك More sharing options...
Recommended Posts
من فضلك سجل دخول لتتمكن من التعليق
ستتمكن من اضافه تعليقات بعد التسجيل
سجل دخولك الان